Ahmad Ebaid's Reviews > المعذبون في الأرض
المعذبون في الأرض
by
by
"Women of Chilpancingo 1960, by David Alfaro Siqueiros"
لقد وجد طه حسين أن المترف يزداد ترفًا
ويمعن البائس في البؤس والشقاء
وهو كواحد من فئة المثقفين المهمومين بأحوال بلدهم
أفنى عمره كله في محاولة لتقدمها وجعلها بين مصاف الدول المتحضرة
وقد قطعوا فعلاً شوطاً كبير في ذلك
فأصبح لدى مصر الوزارات والبرلمان وعاصمة يعجب بجمالها أهل باريس ولندن ونيويورك
ولقد روّعه وصدمه ما حدث عندما اجتاح وباء الكوليرا من جديد
وقد ظن أن عهد تلك الأوبئة قد زال
فمصر الآن ليست إحدى البلاد المتأخرة العتيقة الجاهلة التي تفتك بأهلها الأوبئة
كما أنه بات لديها وزارة مخصصة لشئون الصحة
وفي ظل تلك الظروف لم يكن أحد من سكان القاهرة والإسكندرية يهتم بما يحدث في قرى مصر من جراء الوباء سوى قلة نادرة
"Mining Accident 1931, by David Alfaro Siqueiros"
وهنا أحسّ طه حسين بخطر كبير
وشعر بالجانب القومي من شخصيته, التي تتعصب لمستقبل بلده التي تتهاوى أمامه ويتهاوى معها كل جهوده التي بذلها من أجلها
فشرع يكتب وينشر هذه الأحاديث متفرقة
وعندما انتهى منها قام بجمعها في كتاب باسم "المعذبون في الأرض"
وقد صودر هذا الكتاب
واضطر لطبعه في لبنا��
وبعد ان تغيرت الحكومة وسقطت الملكية في مصر عام 1952م, قام بنشر الكتاب في مصر, مع مقدمة يتغنى فيها بالحرية التي صاروا يتمتعون بها, فهو لم يعد مضطر للكتابة بالرمزية مثلما فعل في كتب « جنة الشوك » ، و « جنة الحيوان » ، و « مرآة الضمير الحديث » ، و « أحلام شهرزاد »
واستنكر في تلك المقدمة مصادرة الكتاب في المرة الأولى, رغم أن الحكومة لم تحفل بنصوصه عندما نشرت متفرقة في أول الأمر.
كما أنه استنكر ادّعائهم بأن الكتاب هو محاولة لنشر الإلحاد والشيوعية, فما دعا إليه في الكتاب هو ما جاء به القرآن من قبل, فهذه
**
بدأ الكتاب بقصص قصيرة عن أمثلة للبؤساء
ويتخلل القصص مناقشة الكاتب لنا في أسلوب السرد الذي اتبعه كما اتبعه "ديديرو" من قبل.
ويتنهي ببضع مقالات يتحدث فيها بصراحة عن التضامن الاجتماعي
وكان أسلوب طه حسين ساخراً متهكماً كعادته, فنرى مثالاً لهذا عندما يسرد هذا البيت متهكماً على تجاهل الناس لشقاء اخوتهم:
وينهي الكتاب بتحذير المصريين مما قد ينتهوا إليه:
**
"dos cabezas 1957, by David Alfaro Siqueiros"
إلى الذين يحرقهم الشوق إلى العدل
وإلى الذين يؤرقهم الخوف من العدل
إلى أولئك وهؤلاء جميعًا
أسوق هذا الحديث
• • •
إلى الذين يجدون ما لا ينفقون
وإلى الذين لا يجدون ما ينفقون
يساق هذا الحديث
لقد وجد طه حسين أن المترف يزداد ترفًا
ويمعن البائس في البؤس والشقاء
وهو كواحد من فئة المثقفين المهمومين بأحوال بلدهم
أفنى عمره كله في محاولة لتقدمها وجعلها بين مصاف الدول المتحضرة
وقد قطعوا فعلاً شوطاً كبير في ذلك
فأصبح لدى مصر الوزارات والبرلمان وعاصمة يعجب بجمالها أهل باريس ولندن ونيويورك
ولقد روّعه وصدمه ما حدث عندما اجتاح وباء الكوليرا من جديد
وقد ظن أن عهد تلك الأوبئة قد زال
فمصر الآن ليست إحدى البلاد المتأخرة العتيقة الجاهلة التي تفتك بأهلها الأوبئة
كما أنه بات لديها وزارة مخصصة لشئون الصحة
وفي ظل تلك الظروف لم يكن أحد من سكان القاهرة والإسكندرية يهتم بما يحدث في قرى مصر من جراء الوباء سوى قلة نادرة
"ولكن الغريب أن الأحياء من الناس الذين أُتِيحت لهم قلوب تشعر ، وعقول تفكِّر ، ونفوس تميِّز بين الخير والشر ، ونعيمٌ كان خليقًا أن يلفتهم إلى جحيم البؤس ، هؤلاء الناس يمضون حياتهم كما يمضي الليل والنهار إلى غايتهما ، لا يحفلون بأمونة ولا بسكينة ولا بقاسم ، شغلتهم أنفسهم عن كل شيء وعن كل إنسان"
"Mining Accident 1931, by David Alfaro Siqueiros"
وهنا أحسّ طه حسين بخطر كبير
وشعر بالجانب القومي من شخصيته, التي تتعصب لمستقبل بلده التي تتهاوى أمامه ويتهاوى معها كل جهوده التي بذلها من أجلها
فشرع يكتب وينشر هذه الأحاديث متفرقة
وعندما انتهى منها قام بجمعها في كتاب باسم "المعذبون في الأرض"
وقد صودر هذا الكتاب
واضطر لطبعه في لبنا��
وبعد ان تغيرت الحكومة وسقطت الملكية في مصر عام 1952م, قام بنشر الكتاب في مصر, مع مقدمة يتغنى فيها بالحرية التي صاروا يتمتعون بها, فهو لم يعد مضطر للكتابة بالرمزية مثلما فعل في كتب « جنة الشوك » ، و « جنة الحيوان » ، و « مرآة الضمير الحديث » ، و « أحلام شهرزاد »
واستنكر في تلك المقدمة مصادرة الكتاب في المرة الأولى, رغم أن الحكومة لم تحفل بنصوصه عندما نشرت متفرقة في أول الأمر.
كما أنه استنكر ادّعائهم بأن الكتاب هو محاولة لنشر الإلحاد والشيوعية, فما دعا إليه في الكتاب هو ما جاء به القرآن من قبل, فهذه
دروس ألقاها عمر بن الخطاب على الحاكمين والمحكومين في التضامن الاجتماعي الذي لا يقوم على الاشتراكية ولا على الشيوعية, وإنما يقوم على قول الله عز وجل : ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾
**
بدأ الكتاب بقصص قصيرة عن أمثلة للبؤساء
"وما أكثر وسائل الإغراء للذين يبهظهم الشقاء !"
ويتخلل القصص مناقشة الكاتب لنا في أسلوب السرد الذي اتبعه كما اتبعه "ديديرو" من قبل.
ويتنهي ببضع مقالات يتحدث فيها بصراحة عن التضامن الاجتماعي
"والعدل يقتضي أن تُضاعَف الضرائب، وأن تُضاعَف المرتبات، وأن تكفَّ الدولة عن الإسراف في الأموال العامة، وأن يكفَّ الأغنياء عن الإسراف في أموالهم الخاصة."
وكان أسلوب طه حسين ساخراً متهكماً كعادته, فنرى مثالاً لهذا عندما يسرد هذا البيت متهكماً على تجاهل الناس لشقاء اخوتهم:
وَلَمَّا رَأَيْتُ الْجَهْلَ فِي النَّاسِ فَاشِيًا تَجَاهَلْتُ حَتَّى قِيلَ إِنِّي جَاهِلُ
وينهي الكتاب بتحذير المصريين مما قد ينتهوا إليه:
"وإن المصريين بين اثنتين لا ثالثة لهما : فإما أن يمضوا في حياتهم كما ألفوها ، لا يحفلون إلا بأنفسهم ولذَّاتهم ومنافعهم ، وإذن فَلْيثقوا بأنها الكارثة الساحقة الماحقة التي لا تُبقِي ولا تذر ؛ وإما أن يستأنفوا حياةً جديدةً كتلك التي عرفوها في أعقاب الحرب العالمية الأولى ، قوامها التضامن والتعاون وإلغاء المسافات والآماد بين الأقوياء والضعفاء ، وبين الأغنياء والفقراء ، وبين الأصحاء والمرضى ، وإذن فهو التآزُر على الخطب حتى يزول ، وعلى الكارثة حتى تنمحي ، وعلى الغمرات حتى ينجلين ."
**
"ولكن القارئ يخطئ أشد الخطأ إن ظن أن الحياة تجري دائمًا على هذا النحو المألوف من المنطق ، وتلائم دائمًا ما ألف الناس من التفكير والتقدير ؛ فليست الحياة أقل مني ثورة على الأصول الموضوعة والقواعد المرسومة والخطط المدبرة ، وإنما الحياة تمضي كما تريد هي لا كما يريد الناس"
"dos cabezas 1957, by David Alfaro Siqueiros"
Sign into Goodreads to see if any of your friends have read
المعذبون في الأرض.
Sign In »
Reading Progress
Comments Showing 1-10 of 10 (10 new)
date
newest »
احييك على اختياراتك الصعبة..وقراءاتك شديدة التنوع..بس ضحكت فعلا على سذاجة طه حسين لاعتقاده انه لن يلجا للرمزية:) بعد الثورة
Nayra.Hassan wrote: "احييك على اختياراتك الصعبة..وقراءاتك شديدة التنوع..بس ضحكت فعلا على سذاجة طه حسين لاعتقاده انه لن يلجا للرمزية:) بعد الثورة"
شكرا نيرة :)
أعتقد أنه قد ضحك هو أيضا على سذاجته، فلقد عاش طه حسين بنفسه ليحضر أزمة نجيب محفوظ، وأزمات سعد الدين وهبة وغيرهم الكثير
شكرا نيرة :)
أعتقد أنه قد ضحك هو أيضا على سذاجته، فلقد عاش طه حسين بنفسه ليحضر أزمة نجيب محفوظ، وأزمات سعد الدين وهبة وغيرهم الكثير
سلمت يداك :)