Ayman Zaaqoq's Reviews > ترمي بشرر
ترمي بشرر
by
by
هذه هي الرواية الصاعقة. من بدءها، من الإهداء، تصعق القارئ:
"لها، ولبقية من عصفتُ بهم في طريقي، ينداح هذا البوح القذر"،
ثم لا يعطيه الراوي مهلة ليلتقط أنفاسه، بل يقطع حدقتيه بهذا السطر الحاد:
"خسئت روحي، فانزلقتُ للإجرام بخطى واثقة"
ليفاجأ القارئ "بعتبة أولى" شائكة يعبرها لاهثا، لا تكاد وخزة توجعه حتى ينتفض بوخزة جديدة، من مثل:
"كنت كالطائرة الورقية أحلق في الفضاء، و خيط رفيع يمسكني به، وبمجرد جذبه إليه، أهوي، و أكون معفرا بالتراب، منتظرا لحظة أخرى ليرفعني في مواجهة الريح لأحلق عاليا"
و أثناء ذلك يسوي الراوي أرضية بدون جدر يقف عليها القارئ مكشوفا لما سيهب عليه من عواصف، فيرسم هذا اللوحة:
"في ليالي القصر الصاخبة...يتحول الخدم ببزاتهم المزركشة إلى كائنات غير مرئية...يتحركون من غير أن تمسهم عيون الحضور كبيوت حيّنا المواجه للقصر، بيوت تبدو من داخل القصر كما لو كانت قامات انحنت في حالة ركوع دائم لم يؤذن لها برفع هاماتها"،
وبعد عبور هذه العتبة الشائكة يشعر القارئ بالنهم لاستكمال القراءة إلا أنه يُصدم بتباطؤ مفاجئ في الأحداث يدفعه لحد الملل، فيشعر كأنه يسير في الماء، يعزز هذا الملل تكرار بعض الصور و المعاني الكئيبة المملوءة بالمعاناة و القهر، رغم جمال الصياغة، مثل:
"مع تشييد القصر جف البحر من أحداقنا كما لو كان دمعة تم تجفيفها بمئات الأطنان الإسمنتية فبقيت تنز لأعماقنا مكونة بركا من الأسى و الحزن"؛
إلا انه بعد قليل تعود الأحداث للتسارع و التشويق.
و النص مليء بالعبارات الجميلة الناضحة بالحكمة و التجربة، مثل:
"حينما لا نصوب أخطاءنا تبقى الحسرة حاضرة في كل حين"؛
"الماضي أشبه ببركان خامد، نستوطن قمته و سفوحه بيقين جازم من تكلس حممه، و قبل أن نطمئن في جلوسنا، يثور فجأة، فيغرقنا، أو يحرقنا كما فعل بنا أول مرة"؛
"حين ينهار المبنى لا تتنبه أسقفه و لبناته من خان من"؛
ولأن مصدر هذه الحكمة التجربة الشائهة لبطل الرواية ذي النفس المبتورة، فإنها كثيرا ما تحمل معان سلبية و محبطة وسوداوية، بل وخاطئة أحيانا، من مثل:
"الحياة المرة لا تترك لك فرصة تدبر معالجة الاعوجاج، فليس هناك وقت لاختيار الصواب، أو الامتناع عن الخطأ"؛
والكاتب يعرض لفكرة هامة في نصه، و هي كيف أن الإنسان لا يولد ملوثا و منحرفا بطبعه، و كيف يمكن لبيئته أن تلعب دورا هاما في دفعه للغي و الضلال بل و تقاوم محاولاته للتطهر و التوبة "الأثر الأول لا يمحى، و لا يزول من ذهنية الناس، فالتخلص من الدنس لا يطهر المرء، يبقى صاحبه دنسا في مخيلتهم مهما سما" ثم يكمل تصوير عزلته بقوله "نهضت قبل أن يكمل ثغاءه، متيقنا أني لن ابتعد عن نقيصتي التي عرفوني بها حتى لو انفلق النور من وجهي!!"
أحد عناصر الإبهار في هذه الرواية لا يتعلق بالنص ذاته، بل يتعلق بكونه كُتب عن مجتمع متحفظ تجاه البوح بمشاكله و مناقشتها في العلن، وهو ما يكشف عن حراك نشط و سعي نحو الحرية و الانطلاق، وهو ما يؤكد أن هم الإنسان واحد في كل زمان و مكان، والقهر و الظلم و الحقد والفقر والمرض و العشوائية و الفساد كلها مفردات بشرية واحدة في معناها و متعددة في صورها مهما علا شأن المجتمع أو تدنى.
وقد ملأ الأديب حوائط روايته بصور معبرة، قاسية أحيانا، ومخجلة أحيانا أخرى، وهي صور قد تكون صادمة و مثيرة للغثيان، لكنها تقحم القارئ بلا مواربة و لا حجاب في الحياة القذرة لبطل الرواية فتنتابه مشاعر شتى بين التعاطف و الاشمئزاز و التشفي.
مع ذلك لم يخلُ النص من بعض الأخطاء النحوية و اللغوية البسيطة، بالإضافة إلى وجود بعض الجمل ذات التراكيب الغريبة و الضعيفة أحيانا، كما أني اعتقد أن رواية بهذا المستوى تستحق طباعة أجود (نسختي من الطبعة الثالثة) خصوصا مع ارتفاع ثمنها.
وأخيرا فإنني أعتقد أن هذا العمل يفتح آفاقا واسعة لفكر القارئ و يترك أثرا غائرا في نفسه لذا فهو يستحق التزكية، وفي رأيي أنه على الأقل يستأهل الوصول للقائمة القصيرة للبوكر العربية.
"لها، ولبقية من عصفتُ بهم في طريقي، ينداح هذا البوح القذر"،
ثم لا يعطيه الراوي مهلة ليلتقط أنفاسه، بل يقطع حدقتيه بهذا السطر الحاد:
"خسئت روحي، فانزلقتُ للإجرام بخطى واثقة"
ليفاجأ القارئ "بعتبة أولى" شائكة يعبرها لاهثا، لا تكاد وخزة توجعه حتى ينتفض بوخزة جديدة، من مثل:
"كنت كالطائرة الورقية أحلق في الفضاء، و خيط رفيع يمسكني به، وبمجرد جذبه إليه، أهوي، و أكون معفرا بالتراب، منتظرا لحظة أخرى ليرفعني في مواجهة الريح لأحلق عاليا"
و أثناء ذلك يسوي الراوي أرضية بدون جدر يقف عليها القارئ مكشوفا لما سيهب عليه من عواصف، فيرسم هذا اللوحة:
"في ليالي القصر الصاخبة...يتحول الخدم ببزاتهم المزركشة إلى كائنات غير مرئية...يتحركون من غير أن تمسهم عيون الحضور كبيوت حيّنا المواجه للقصر، بيوت تبدو من داخل القصر كما لو كانت قامات انحنت في حالة ركوع دائم لم يؤذن لها برفع هاماتها"،
وبعد عبور هذه العتبة الشائكة يشعر القارئ بالنهم لاستكمال القراءة إلا أنه يُصدم بتباطؤ مفاجئ في الأحداث يدفعه لحد الملل، فيشعر كأنه يسير في الماء، يعزز هذا الملل تكرار بعض الصور و المعاني الكئيبة المملوءة بالمعاناة و القهر، رغم جمال الصياغة، مثل:
"مع تشييد القصر جف البحر من أحداقنا كما لو كان دمعة تم تجفيفها بمئات الأطنان الإسمنتية فبقيت تنز لأعماقنا مكونة بركا من الأسى و الحزن"؛
إلا انه بعد قليل تعود الأحداث للتسارع و التشويق.
و النص مليء بالعبارات الجميلة الناضحة بالحكمة و التجربة، مثل:
"حينما لا نصوب أخطاءنا تبقى الحسرة حاضرة في كل حين"؛
"الماضي أشبه ببركان خامد، نستوطن قمته و سفوحه بيقين جازم من تكلس حممه، و قبل أن نطمئن في جلوسنا، يثور فجأة، فيغرقنا، أو يحرقنا كما فعل بنا أول مرة"؛
"حين ينهار المبنى لا تتنبه أسقفه و لبناته من خان من"؛
ولأن مصدر هذه الحكمة التجربة الشائهة لبطل الرواية ذي النفس المبتورة، فإنها كثيرا ما تحمل معان سلبية و محبطة وسوداوية، بل وخاطئة أحيانا، من مثل:
"الحياة المرة لا تترك لك فرصة تدبر معالجة الاعوجاج، فليس هناك وقت لاختيار الصواب، أو الامتناع عن الخطأ"؛
والكاتب يعرض لفكرة هامة في نصه، و هي كيف أن الإنسان لا يولد ملوثا و منحرفا بطبعه، و كيف يمكن لبيئته أن تلعب دورا هاما في دفعه للغي و الضلال بل و تقاوم محاولاته للتطهر و التوبة "الأثر الأول لا يمحى، و لا يزول من ذهنية الناس، فالتخلص من الدنس لا يطهر المرء، يبقى صاحبه دنسا في مخيلتهم مهما سما" ثم يكمل تصوير عزلته بقوله "نهضت قبل أن يكمل ثغاءه، متيقنا أني لن ابتعد عن نقيصتي التي عرفوني بها حتى لو انفلق النور من وجهي!!"
أحد عناصر الإبهار في هذه الرواية لا يتعلق بالنص ذاته، بل يتعلق بكونه كُتب عن مجتمع متحفظ تجاه البوح بمشاكله و مناقشتها في العلن، وهو ما يكشف عن حراك نشط و سعي نحو الحرية و الانطلاق، وهو ما يؤكد أن هم الإنسان واحد في كل زمان و مكان، والقهر و الظلم و الحقد والفقر والمرض و العشوائية و الفساد كلها مفردات بشرية واحدة في معناها و متعددة في صورها مهما علا شأن المجتمع أو تدنى.
وقد ملأ الأديب حوائط روايته بصور معبرة، قاسية أحيانا، ومخجلة أحيانا أخرى، وهي صور قد تكون صادمة و مثيرة للغثيان، لكنها تقحم القارئ بلا مواربة و لا حجاب في الحياة القذرة لبطل الرواية فتنتابه مشاعر شتى بين التعاطف و الاشمئزاز و التشفي.
مع ذلك لم يخلُ النص من بعض الأخطاء النحوية و اللغوية البسيطة، بالإضافة إلى وجود بعض الجمل ذات التراكيب الغريبة و الضعيفة أحيانا، كما أني اعتقد أن رواية بهذا المستوى تستحق طباعة أجود (نسختي من الطبعة الثالثة) خصوصا مع ارتفاع ثمنها.
وأخيرا فإنني أعتقد أن هذا العمل يفتح آفاقا واسعة لفكر القارئ و يترك أثرا غائرا في نفسه لذا فهو يستحق التزكية، وفي رأيي أنه على الأقل يستأهل الوصول للقائمة القصيرة للبوكر العربية.
Sign into Goodreads to see if any of your friends have read
ترمي بشرر.
Sign In »
Quotes Ayman Liked
“الماضي أشبه ببركان خامد، نستوطن قمته و سفوحه بيقين جازم من تكلس حممه، و قبل أن نطمئن في جلوسنا، يثور فجأة، فيغرقنا، أو يحرقنا كما فعل بنا أول مرة”
― ترمي بشرر
― ترمي بشرر
“الحب كالكره يحملك أحيانا لأن تلقي بكل أسلحتك لإيذاء عدوك أو حبيبك فقط لتشعره بما يموج في داخلك عليه.”
― ترمي بشرر
― ترمي بشرر
“ان تقعد صفقه مغ الشيطان فكل اليقين أن الحياة تعد لك
فخا قميئا .. ولن تستطيع أن تنجو منه ..”
― ترمي بشرر
فخا قميئا .. ولن تستطيع أن تنجو منه ..”
― ترمي بشرر
Reading Progress
April 30, 2010
– Shelved
May 12, 2010
– Shelved as:
arabic-booker-short-list
May 18, 2010
–
Started Reading
May 25, 2010
–
26.2%
"الموت لا يثير الصخب أحيانا، فموت قط، أو كلب، أو نكرة من النكرات لا يحتاج الأمر لأن تنتبه له الحياة، فهي منشغلة في مكان آخر"
page
109
May 28, 2010
–
Finished Reading
Comments Showing 1-11 of 11 (11 new)
date
newest »
امممم مختلفة معاك شوية.. لأن ساعات الجوائز و الترشيحات ليها بيبقى لها حسابات تانية
و ياما ناس خدت جوائز _و لا أعني عبده خال على الإطلاق فأنا لم أقرأ له بعد_ و كل ما كتبوا لم يزد عن غثاءٍ أحــوى
و ياما ناس خدت جوائز _و لا أعني عبده خال على الإطلاق فأنا لم أقرأ له بعد_ و كل ما كتبوا لم يزد عن غثاءٍ أحــوى
بصوا
انا الكتاب دا واخدة منه موقف شخصى
وعذرا
مش هاقدر اكون حيادية معاه ابدا
وربنا ما يوقعه فى ايدى والا ها...هاشقلضه
:))
انا الكتاب دا واخدة منه موقف شخصى
وعذرا
مش هاقدر اكون حيادية معاه ابدا
وربنا ما يوقعه فى ايدى والا ها...هاشقلضه
:))
Mai wrote: "بصوا
انا الكتاب دا واخدة منه موقف شخصى
وعذرا
مش هاقدر اكون حيادية معاه ابدا
وربنا ما يوقعه فى ايدى والا ها...هاشقلضه
:))"
إشمعنى يا مي ؟؟؟؟
انا الكتاب دا واخدة منه موقف شخصى
وعذرا
مش هاقدر اكون حيادية معاه ابدا
وربنا ما يوقعه فى ايدى والا ها...هاشقلضه
:))"
إشمعنى يا مي ؟؟؟؟
عشان اخدت بوكر وحواليها شكوك كتير فى قيمتها الفنية وجودتها..فى حين ان يوم غائم للمنسى قنديل لم تأخذهاااااااا
لا شك أن الروايات التي وصلت القائمة القصيرة وحتى الطويلة روايات تستحق القراءة، اما من تستحق الجائزة فهذا امر آخر لا يقلل من قيمة الروايات التي لم تفز.
في رأيي رواية "اميركا" هي التي تستحق.
بالنسبة ل"ترمي بشرر" يجب الأخذ في الاعتبار ان هذه الرواية تتحدث بجرأة كبيرة عن مجتمع لايبوح بأسراره و يتحفظ على النقد الجارح، وجرأة الكاتب في حد ذاتها تستحق التقدير
في رأيي رواية "اميركا" هي التي تستحق.
بالنسبة ل"ترمي بشرر" يجب الأخذ في الاعتبار ان هذه الرواية تتحدث بجرأة كبيرة عن مجتمع لايبوح بأسراره و يتحفظ على النقد الجارح، وجرأة الكاتب في حد ذاتها تستحق التقدير
فعلا يا ايمن زي ما قلت بالظبط من بدايتها صاعقه
وبعدين ملل غير عادي بوصف لكل صغيره وكبيره في الروايه
بس الاسلوب جميل وقوي ويجبر على الاستمرار
عجبني جدا ابحاره في الازمنه بشكل سلس وسهل وممتع حيث انه كان يتنقل من وجوده في القصر الى افكاره واحلامه بدخول القصر الى ذكريات مراهقته مع اصداقائه وتهاني و ...
لم يعجبني وصفه الدقيق لافعال البطل القذره ولا استطيع نسيان مشهد البطل مع كبير القصر عند اول لقاء بينهما في القصر والكشف عليه وتجيرده من ملابسه اهعتقد كان من الممكن اختصار او حذف كثير من هذا المشهد
لكن بصفه عامه اعجبتني هذه الروايه بشده وعشت معها الاحداث وهي من الروايات على نهج 1/4 جرام لكن تفوقت عليها باللغه القويه والاحداث الاكثر جاذبيه
ار هذه الروايه من وجهه نظري افضل من واحه الغروب
وبعدين ملل غير عادي بوصف لكل صغيره وكبيره في الروايه
بس الاسلوب جميل وقوي ويجبر على الاستمرار
عجبني جدا ابحاره في الازمنه بشكل سلس وسهل وممتع حيث انه كان يتنقل من وجوده في القصر الى افكاره واحلامه بدخول القصر الى ذكريات مراهقته مع اصداقائه وتهاني و ...
لم يعجبني وصفه الدقيق لافعال البطل القذره ولا استطيع نسيان مشهد البطل مع كبير القصر عند اول لقاء بينهما في القصر والكشف عليه وتجيرده من ملابسه اهعتقد كان من الممكن اختصار او حذف كثير من هذا المشهد
لكن بصفه عامه اعجبتني هذه الروايه بشده وعشت معها الاحداث وهي من الروايات على نهج 1/4 جرام لكن تفوقت عليها باللغه القويه والاحداث الاكثر جاذبيه
ار هذه الروايه من وجهه نظري افضل من واحه الغروب
:)
مستنية منك ريفيو ع الكتاب ده تحديداً