Baher Soliman's Reviews > محطة الرمل

محطة الرمل by Ahmed Salama
Rate this book
Clear rating

by
52876339
's review

liked it
bookshelves: روايات

حكاياتُنا هي أقدارنا، وبقدر ما نصنعها هي أيضًا تصنعنا، فالطيبون لا يؤذون أحدًا وإنما يؤذون أنفسهم كما يقول نزار قباني، هي أشباح الماضي التي تتراقص في الحاضر بكل سخرية وألم، معلنة أنَّ الوجع لا ينتهي، وأنَّ ما حاولنا الهروب منه سيظل يُطاردنا عبر دروب الحاضر. هذا ما نلمحه وبقوة في هذا العمل الروائي عبر أربع حكايات متداخلة، أبطالها في حالة أزمة نفسية جرَّاء ما حدث في الماضي، هنا .. في محطة الرمل بالإسكندرية حيث يتداخل الماضي مع الحاضر ليرسم لوحة في غاية القتامة لأشخاص تتداخل مصائرهم وتتشارك في نفس الوجع .

أربع شخصيات وهم " نور" و " حبيبة" و " زهرة" و " منير"، تبدو شخصية " نور" هنا هي البؤرة التي تجتمع حولها بقية الأشخاص، فهو مأزوم نفسيًا بما حدث له في الماضي، من تربية قاسية حيث أب غليظ القلب يسوم أمه سوء العذاب، ثم يأخذه في رحلة قاسية لصيد الطيور، ماتت الأم مكلومة بوجعها، ومات الأب بعد أن حزن عليها، وبقيت نوران أخته الصالحة النقية، وبقي " نور" يُعاني الوحدة والألم والوجع و .. و الصرع.

وصف الروائي لحالة الصرع كان وصفًا رائعًا ومؤلمًا على الحقيقة، وهو قد جاء في موضعين في الرواية، الأول أثناء مشاهدة " نور" لبكاء " زهرة" و الآخر في محطة الرمل في نهاية الرواية أثناء وداع " حبيبة"، لكن الرائع هنا هو كيف استعمل لحظات الصرع القاسية مع الفلاش باك في استحضار اللحظات القاسية في حياته ، ربما جاء المشهد الأخير مؤثرًا بشكل كبير وهو يعاني تلك النوبات مع ألم الفقد الذي لم يعبر عنه سوى بهتاف مستمر .. " حبيبة".

لجأ الروائي هنا إلى تقنة " تعدد الرواة" ليفتح لنفسه مجالًا كبيرًا للمنولوج الداخلي وسبر دواخل الشخصيات، الكل يروى معاناته، رواية تبدأ من لحظة مقابلة " نور" ثم ترتد رويدًا إلى الماضي، فزهرة الذي قُتل زوجها ..ربما بسببها، أو بسبب أفكار الآخرين، و حبيبة التي عاشت في أسرة مفككة ثم زواجها من زوج سادي، ومنير العربيد الذي أحب سلمى ثم خُدع فيها أو لم يصدق أنه خُدع فيها، لكنه على كل حال عاش مرارة فقدها.

الروائي له قدرة كبيرة على السرد وعلى وصف المشاعر والأحاسيس وتقلباتها، لغته كانت بسيطة لا هي بالمعقَّدة ولا السطحية، وصفه للأماكن ..للأشخاص ..كل ذلك لا غبار عليه، لكن هل جاءت النهاية على نفس مستوى التعقيد النفسي الذي عاشه القارئ عبر أربعة مسارات سردية؟! . الرواية انتهت دون أن تُجيب عن أسئلة مهمة مثل ماذا حدث لسلمى بالضبط التي اختفت فجأة من مسار منير السردي كما ظهرت به فجأة! وكذا مصير نور وحبيبة وكيف سيتخطى وسيتجاوز بعد ذلك مشكلته التي أخفاها عنها حيث كان سببًا ودون قصد منه في موت أبيها بسبب ما عدَّه إهمالًا طبيَّا منه! وكذا زهرة كيف ستتجاوز محنتها! وكذا لا يوجد تفسير مقنع لخذلان والد حبيبة لها في أمريكا ؟! هل هي نهاية مفتوحة أم خطوط سردية غير مكتملة! .

تبدو هناك مشكلة أخرى في بناء العلاقات داخل الرواية، يعني كيف يتقبَّل القارئ ذلك الانجذاب القوي بين " نور" و " زهرة" من مجرد لقاء عابر! ولا يمكن تقبُّل فكرة نشوء علاقة بين منير المسيحي وسلمى خصوصًا بعد ما حذرتها صديقتها منه كونه عربيدًا زير نساء إلا أن تكون سلمى وضيعة مثله وهو ما سكتت عنه الرواية في إبهام مصير سلمى ودوافعها وما حدث لها بالضبط، فكما قلنا اختفت من المسار السردي فجأة!! .

ربما حسنات الصنعة الأدبية لاسيما وأنَّ هذا هو العمل الأول للكاتب قبل أن يكتب عمله الثاني " الزعفران��" مما يجعلنا نتغاضى قليلًا عن اهتراء بعض أجزاء الحبكة، وعلى الحقيقة لم أحب شخصيات الرواية أخلاقيًا مثل نور و حبيبة وسلمى وزهرة و منير، والشخصية الشاذة سلوكيًا " نجوى"، ليس كلهم ضحايا على كل حال، لكن آلاعيب الحبكة التي تعظِّم من فكرة الألم والوجع والفقد تجعلك لا تلتفت لذلك الجانب الأخلاقي، وتلك مشكلة حقيقية، فهم متساهلون في علاقاتهم لكنهم ضحايا، طيبون لكن حياتهم بلا قيمة .. ربما هذه عينات موجودة في المجتمع، لكن مما لاشك فيه أننا يمكن أن نتجاوز لو أردانا، كما أرادت " نوران" أخت نور التي كنت أتمنى أن تأخذ حقها في الرواية من السرد والمساحة، فهي شخصية جاءت سوية وملتزمة دينيًا رغم تعرضها لنفس الضغوط التي تعرَّض لها نور.

بالنهاية نحن نختار القدر بكتابة أعمالنا بأنفسنا كما يختارنا. والكل يدفع ثمن اختياراته. لاشك الرواية ممتعة لمن يحب الغوص في أعماق النفوس.

#قراءة_2023
flag

Sign into Goodreads to see if any of your friends have read محطة الرمل.
Sign In »

Reading Progress

July 13, 2023 – Shelved
July 13, 2023 – Shelved as: روايات

No comments have been added yet.