Yasmine Mohamed's Reviews > أربطة

"في هذا المنزل يوجد نظام ظاهري، ولكن هناك فوضى حقيقية"



انها رواية تنكأ جروح الطفولة القديمة، تلك التي تظل حبيسة ماضينا وتهيمن بلا وعي على فوضى حاضرنا.

فآلدو الرجل الثلاثيني يمتلك الحياة المثالية وظيفة جامعية وأسرة سعيدة مكونة من زوجة دمثة الخلق وإبن وإبنة صغيران.


ولكن تحت السطح كان آلدو حبيس حياة إختارها في عشرنياته ولم يعد متأكد أنها مازالت تناسبه فمغامرة الزواج صغيرا تحولت تدريجيا إلى روتين يومي معتاد بالإضافة لعمل تقليدي خالي من الشغف والطموح.

أحس آلدو بأن مع تلاشي سحر البدايات أصبحت روابطه العائلية تثقل كاهله وتسلبه حريته وتحرمه من متع الحياة.

بدء آلدو البحث عن حياة ذات معنى، بدئا بالتحرر من الروابط المحاكة بإحكام شديد بخيوط حيوات أفراد أسرته، ثم بخوض مغامرة جديدة مع ليديا الطالبة الجامعية الجميلة ذات الذكاء المتقد.

على عكس زوجته فاندا بتحكمها وعصبيتها، كانت ليديا رقيقة كنسمة لطيفة في صحراء حياته.



كانت محاولة التحرر هذه هي أيضا محاولة للهروب من الوقوع في فخ تكرار مصير والديه، فهو لم يتعافى من الصدمة النفسية الناتجة عن العيش مع عائلة مختلة، فالألم العاطفي الدفين يلقي بظلاله على الصبي الصغير بداخله الذي تعلم تجاهل آنات والدته المعنفة هربا من الألم الذي سوف يطارده طوال حياته.

لم يكذب آلدو عندما حاول إقناع فاندا بأنه يحاول تحريرها برحيله، فشبح والده كان يطارده ويطارد زوجته وولداه، فربما برحيله لن يستطيع يوما إلحاق الأذى الجسدي بهم.

ولكن لم يدرك آلدو أن الأذى النفسي لتخليه عن أسرته أثره سيترك جروحا لن تندمل كجروحه تماما.





"لم يصافح خدها قبل رحيله، بل غرس في قلبها جرحا.
شتلة الجرح أزهرت، أينعت تدلت قطوفها، وثقلت غصونها وامتدت جذورها عميقا.... عميقا صوب الروح"
بثينة العيسى


فاندا التي تعاهدت على السير مع زوجها، فاجأها رحيله في منتصف الطريق.



تحت أثر صدمة الخيانة وفقدان التوازن تخبطت لإسترجاع أمان عائلتها المفقود ، حاولت التمسك بزواج منهار وزوج خائن وعائلة تفسخت روابطها، فهي لم تكن سوى مسافرة تكافح في رحلة الحياة.


"لقد رأيت نظرتك وأنت تقول لي: لقد كنت مع أخرى. هل تريد أن تعرف رأيي؟ أعتقد أنك لم تدرك بعد ماذا فعلت. هل تدرك أن ما حدث كان مثل أن تضع يدك في حلقي وتشد وتشد وتشد حتى تخلع مني ذلك الشيء الموجود في صدري"




حاولت وضع معنى لتضحيتها التي باءت بالفشل فهي التي تم التخلي عنها، هي التي تمت خيانتها، هي التي لعبت دور العدو السجان لشريك عمرها، هي التي علقت في عرض البحر بطفلين دون طوق نجاة.


"هل يمكن ألا تدرك العبء الذي ألقيت به علي؟ هل نسيت أنني لا أعمل؟ وأنني لا أعرف كيف يمكنني الإستمرار؟"




قاومت وحاربت وحاولت أن تستدر عطفه، حاولت أن تتوسل إليه، أن تغضب منه، أن تحاول قتل نفسها كلها محاولات يائسة لم تؤتي ثمارها ولكن محاولتها البائسة في إستخدام طفلاها في صراعها مع زوجها كانت خطيئتها الكبرى الأولى.


"ليديا يبدو لي الأسم حتى الآن كعقرة حيوان. عندما تنطقه ماما يصبح إحتقارها إحتقارنا، ونشعر بأننا ثلاثة داخل واحد"


الخطيئة التي سيدفع جميعهم ثمنها الأب والأم والأبناء.

إحترمت محاولتها أن تلملم شتات نفسها وأن تعيد بناء السفينة وإستكمال الطريق ولكن خطيئتها الكبرى الثانية بالسماح له بالعودة كانت القشة التي قصمت ظهر هذه العائلة.


"عندما تركتني، تألمت بالأخص لما ضحيت به من ذاتي، بلا جدوى، وعندما قبلتك من جديد في المنزل، فعلت ذلك لأستعيد ما أخذته مني"




فأربطتهم البالية التي تقطعت أوصالها لم تعد صالحة لإعادة ربطهم ببعضهم مرة أخرى.

فالأب الذي إستفاق ضميره بعد فوات الأوان والأم التي كان هدفها الثأر لكرامتها المجروحة، تعايشا مع ثقتها المهتزة في الشريك العائد، وعقدة تكفير ذنبه، ليدورا في دائرة مفرغة من تعذيب ذاتهما وبعضهما.


"كان كل منهما يختبئ من الآخر"



نسيا تماما أن الأبناء بشر تدمرت نفسياتهم بين أب أناني خاف من حريته فعاد إليهم ليصبح الحاضر الغائب، وأم وجدت أمانها في السيطرة على حياتهم خوفا من فقد حبهم هم أيضا.


"إن أبوينا مدينان لنا بتعويض، من أجل كل الأضرار التي سبباها لعقلنا ولمشاعرنا"


لنكتشف بالنهاية أن فوضى حياتنا ستجد طريقها للسطح إن آجلا أو عاجلا، وأن أثر مرورنا في هذه الحياة هو الحب الذي نتركه في قلوب من ربطناهم بنا وليس المنزل المرتب ولا النقود المكدسة ولا وهم المجد الزائف.

تفهمت تيه آلدو وأحسست ألم فاندا وتألمت لحزن آنا وأشفقت على تعاسة ساندرو.

يبقى للأدب الإيطالي الإنساني المؤلم بواقعيته مكانة خاصة في قلبي ❤

قراءة أول مارس الجماعية مع الرفقة العزيزة