فهد الفهد's Reviews > جسر على نهر درينا
جسر على نهر درينا
by
by
جسر على نهر درينا
كتب ايفو أندرتش روايته هذه في بلغراد أيام الحرب العالمية الثانية، ففيما العالم يدمر بعضه، ويهدم كل ما بنته الحضارة على مدى القرون، ما الذي يمكن أن يفعله الإنسان للهروب من هذه الفضائع أفضل من استعادة عالم منسي.
ولكن استعادة عالم كامل مأزق حقيقي، حتى عند روائي كبير مثل أندرتش، فلذا ليس أفضل من تحريك الزمان، وتثبيت المكان، وما الذي يمكن أن يثبت المكان أفضل من جسر بني أصلاً ليربط بين أطراف الإمبراطورية ويثبت سلطة وهيبة المركز البعيد حيث يقبع السلاطين العظام الذين كان الباشوات والآغات يحكمون هذه النواحي باسمهم.
إنه عالم المد العثماني، عالم الانكشارية والدفشرمة (ضريبة الدم)، هذه الضريبة التي أوصلت محمد باشا سكولوفتش البوسني إلى منصب الصدر الأعظم وجعلته يقرر أن يحسن إلى بلده القديم الذي يبدو أنه لم ينس ليلة أخذه منه رغم السنين الطوال، وكل القصور السلطانية التي مر بها.
بكل براعة ينقل لنا ايفو أندرتش هذا العالم البلقاني الغريب، المكون من كل القوميات التي لم نكن نعرف عنها، حتى انفجرت وجعلت تقتل بعضها البعض، مستعيدة ثارات قديمة، هكذا عاش أندرتش ومات وكتب هذه الرواية كما قلنا في عالم يقتل بعضه، ولم يكن يعلم حينها أن الموت الذي كان يجول في أوروبا، سيتوقف بعد نصف قرن في فيشيغراد ذاتها، وأن الجسر، الجسر ذاته الذي كتب عنه وروى قصته من اليوم الذي صار فيه فكرة جائلة في رأس الصدر الأعظم، حتى اليوم الذي ضربته قذائف الحرب العالمية الأولى وهدمت جزء منه، هذا الجسر سيشهد إعدام ثلاثة آلاف من أهل فيشيغراد المسلمين في سنة 1992 م، حيث ستطفو جثثهم في نهر درينا، قبل أن يجرفها التيار بعيداً عن الكابيا وأيامها الجميلة.
إن الجسر عند البلقانيين يعادل الجمل عند العرب القدماء، تسبك حوله القصص والأساطير، ويلج في كل لحظات الحياة، إن أصل الجسور كما تقول الأسطورة البلقانية هي أجنحة الملائكة التي وضعتها للبشر ليعبروا من مكان إلى آخر، بعدما شققت الشياطين الأرض، لهذا كانت قمة الإحسان للوطن القديم عند الصدور العظام الذي جاءوا من البوسنة هو أن يبنوا فيها جسراً، هذا ما فعله سوكولوفتش، وهذا ما فعله كوبريلي الذي استحق أن يحمل الاسم التركي للجسر (كوبري)، وكما يتسابق الصدور العظام في بناء الجسور، يكتب الروائيون البلقانيون روايات عن الجسور، فها هو البلقاني الآخر الذي لا يقل عظمة (إسماعيل كاداريه) يكتب رواية سماها (الجسر) يمكن لنا أن نلمس فيها بعض التشابهات البسيطة مع رواية أندرتش، وخاصة في أسطورة بناء الجسر ومحاولات تخريبه.
لقد نقل لنا أندرتش بكل روعة، ملحمة الجسر من لحظات بنائه بكل عنفوان وقوة الأتراك، ثم كيف صار الجسر مجلساً لأهل المدينة الصغيرة، وأخذنا في قصص متوالية تدور كلها في فيشيغراد وترتبط بشكل أو بآخر بجسرها العتيد، جعلنا نشهد انحسار العثمانيين، واستيلاء النمساويين على المنطقة، نهوض الصرب حتى الأيام التي قتل فيها جفريللو برنسيب ولي العهد النمساوي، هنا تقترب الحكا��ة من النهاية، لم تنتهي قصة الجسر كما نعرف، فهو لازال قائماً، وقد شهد بالتأكيد قصص حب، ومآس ومجازر، لقد شهد قصص لقاء وفراق، لقد عبره أناس مسرعون، وآخرون متمهلون، يتأملون حجارته التي وطئتها آلاف الأقدام، ونحن... نحن لم نكن سنميز هذا الجسر من بين آلاف الجسور حول العالم، لولا أن روائياً قرر الفرار من الرعب والفزع إلى حضن جسر قروسطي ذو حجارة بيضاء وجمال غريب.
الجسر كتراث عالمي:
http://whc.unesco.org/en/list/1260
فيديو صغير حول الجسر
http://www.youtube.com/watch?v=OIJ0Bv...
كتب ايفو أندرتش روايته هذه في بلغراد أيام الحرب العالمية الثانية، ففيما العالم يدمر بعضه، ويهدم كل ما بنته الحضارة على مدى القرون، ما الذي يمكن أن يفعله الإنسان للهروب من هذه الفضائع أفضل من استعادة عالم منسي.
ولكن استعادة عالم كامل مأزق حقيقي، حتى عند روائي كبير مثل أندرتش، فلذا ليس أفضل من تحريك الزمان، وتثبيت المكان، وما الذي يمكن أن يثبت المكان أفضل من جسر بني أصلاً ليربط بين أطراف الإمبراطورية ويثبت سلطة وهيبة المركز البعيد حيث يقبع السلاطين العظام الذين كان الباشوات والآغات يحكمون هذه النواحي باسمهم.
إنه عالم المد العثماني، عالم الانكشارية والدفشرمة (ضريبة الدم)، هذه الضريبة التي أوصلت محمد باشا سكولوفتش البوسني إلى منصب الصدر الأعظم وجعلته يقرر أن يحسن إلى بلده القديم الذي يبدو أنه لم ينس ليلة أخذه منه رغم السنين الطوال، وكل القصور السلطانية التي مر بها.
بكل براعة ينقل لنا ايفو أندرتش هذا العالم البلقاني الغريب، المكون من كل القوميات التي لم نكن نعرف عنها، حتى انفجرت وجعلت تقتل بعضها البعض، مستعيدة ثارات قديمة، هكذا عاش أندرتش ومات وكتب هذه الرواية كما قلنا في عالم يقتل بعضه، ولم يكن يعلم حينها أن الموت الذي كان يجول في أوروبا، سيتوقف بعد نصف قرن في فيشيغراد ذاتها، وأن الجسر، الجسر ذاته الذي كتب عنه وروى قصته من اليوم الذي صار فيه فكرة جائلة في رأس الصدر الأعظم، حتى اليوم الذي ضربته قذائف الحرب العالمية الأولى وهدمت جزء منه، هذا الجسر سيشهد إعدام ثلاثة آلاف من أهل فيشيغراد المسلمين في سنة 1992 م، حيث ستطفو جثثهم في نهر درينا، قبل أن يجرفها التيار بعيداً عن الكابيا وأيامها الجميلة.
إن الجسر عند البلقانيين يعادل الجمل عند العرب القدماء، تسبك حوله القصص والأساطير، ويلج في كل لحظات الحياة، إن أصل الجسور كما تقول الأسطورة البلقانية هي أجنحة الملائكة التي وضعتها للبشر ليعبروا من مكان إلى آخر، بعدما شققت الشياطين الأرض، لهذا كانت قمة الإحسان للوطن القديم عند الصدور العظام الذي جاءوا من البوسنة هو أن يبنوا فيها جسراً، هذا ما فعله سوكولوفتش، وهذا ما فعله كوبريلي الذي استحق أن يحمل الاسم التركي للجسر (كوبري)، وكما يتسابق الصدور العظام في بناء الجسور، يكتب الروائيون البلقانيون روايات عن الجسور، فها هو البلقاني الآخر الذي لا يقل عظمة (إسماعيل كاداريه) يكتب رواية سماها (الجسر) يمكن لنا أن نلمس فيها بعض التشابهات البسيطة مع رواية أندرتش، وخاصة في أسطورة بناء الجسر ومحاولات تخريبه.
لقد نقل لنا أندرتش بكل روعة، ملحمة الجسر من لحظات بنائه بكل عنفوان وقوة الأتراك، ثم كيف صار الجسر مجلساً لأهل المدينة الصغيرة، وأخذنا في قصص متوالية تدور كلها في فيشيغراد وترتبط بشكل أو بآخر بجسرها العتيد، جعلنا نشهد انحسار العثمانيين، واستيلاء النمساويين على المنطقة، نهوض الصرب حتى الأيام التي قتل فيها جفريللو برنسيب ولي العهد النمساوي، هنا تقترب الحكا��ة من النهاية، لم تنتهي قصة الجسر كما نعرف، فهو لازال قائماً، وقد شهد بالتأكيد قصص حب، ومآس ومجازر، لقد شهد قصص لقاء وفراق، لقد عبره أناس مسرعون، وآخرون متمهلون، يتأملون حجارته التي وطئتها آلاف الأقدام، ونحن... نحن لم نكن سنميز هذا الجسر من بين آلاف الجسور حول العالم، لولا أن روائياً قرر الفرار من الرعب والفزع إلى حضن جسر قروسطي ذو حجارة بيضاء وجمال غريب.
الجسر كتراث عالمي:
http://whc.unesco.org/en/list/1260
فيديو صغير حول الجسر
http://www.youtube.com/watch?v=OIJ0Bv...
Sign into Goodreads to see if any of your friends have read
جسر على نهر درينا.
Sign In »
Reading Progress
Comments Showing 1-3 of 3 (3 new)
date
newest »
message 1:
by
mohammad
(new)
-
rated it 5 stars
Jul 14, 2013 02:21PM
دائما مبدع يابوعاصم
reply
|
flag