حينما انتهيتُ من قرائتي لهذا الكتاب، وددت لو أنني أملك منّه نسخة ورقية، حتى أضمه لصدري وأقبله. إن أبسط كلمة تُقال عنه : أنّه مُلهم، إن لكلمات هيسه ||-
حينما انتهيتُ من قرائتي لهذا الكتاب، وددت لو أنني أملك منّه نسخة ورقية، حتى أضمه لصدري وأقبله. إن أبسط كلمة تُقال عنه : أنّه مُلهم، إن لكلمات هيسه وقع ليس له مثيل، تُعيد الحياة لروحك وتنتشلك من كل مشاغلك المجنونة لـتتنفس بهدوء وتغرق في جو شاعري يزهر بالحُب .
[image]
إن القُدرة على حُب الأشخاص شيء عظيم، بينما القُدرة على حُب الأشياء شيء أعظم، شيء يفوق المثالية والجمال، أن تضم الطبيعة كُلها في قلبك وتمنحها وطناً، وليس بإمكانك أن تفعل ذلك إلا إذا تُهت في الطبيعة، تجولّت فيها .. وبحثت عن الأشياء ومعنى الأشياء وأن تغوص في ذاتك وتبحث هُناك أيضاً . في كل مرة أقرأ لـ هرمان هيسه، أغرق في عالمه، في كل مرة أقرأ لـ هرمان هيسه، أغرق في ذاتـي، إنّه يدفعني نحو البحث والتأمل، أشعر أنني في رحلة وليس هنالك من محطة .
مدرسة المغفلين ، أول قراءة لـ توفيق الحكيم -الاسم الذي أعرفه منذ أن كُنت طفلة- وعلي أن أعترف كآنت مخيبة للآمال .. قصص الكتاب تُناقش قضايا ||-
[image]
مدرسة المغفلين ، أول قراءة لـ توفيق الحكيم -الاسم الذي أعرفه منذ أن كُنت طفلة- وعلي أن أعترف كآنت مخيبة للآمال .. قصص الكتاب تُناقش قضايا إجتماعية كـ الزواج، البحث عن المرأة المناسبة وعلاقة المرأة بالرجل ، قصصي المُفضلة من الكتاب إبليس ينتصر، لا كرامة لنبي في وطنه .ـ
"فليس أقوى من رجل يقاتل من أجل فكرة أو عقيدة" .
نظراً أن هذه القصص تم إصدارها سنة 1966 فإن أفكارها تم تداولها كثيراً في السينما وأفلام الشاشة الصغيرة ؛ لذلك لا تُشعرك بالدهشة لأنه سبق وقد مرّت عليك بصورة أو بأخرى ؛ مع ذلك لم أشعر أبداً بالملل .. كُل قصة تعرف كيف تُبقيك حتى تنهيها ، وحتما لن أكتفي بـ لقاء واحد ؛ فـ أنا أعلم أن بحر الحكيم عميق جداً وأنني فقط أقف على الشاطئ !ـ
القصة القصيرة في عالم هسه ليست قصة قصيرة فحسب؛ ليست قصة ستقرأها على عجل لتخرج منها بفكرة أو بشعور؛ القصة هنا عالم كل شيء فيه مُباح، عالم يتم||-
[image]
القصة القصيرة في عالم هسه ليست قصة قصيرة فحسب؛ ليست قصة ستقرأها على عجل لتخرج منها بفكرة أو بشعور؛ القصة هنا عالم كل شيء فيه مُباح، عالم يتمزج فيه الخيال بالواقع، بالموسيقى وبالشعر، عالم تسبح وتغوص فيه عميقاً لتكتشف بعدها أنّك طوال الوقت كُنت تغوص في أعماقك أنت؛ لا أعلم كيف ولكن لـ هسه طريقة في تحقيق ذلك بكلمات وسرد بسيط جداً.
بالمجمل القصص جميلة، بعضها أجمل من الأخرى، بعضها تُناسب القرّاء الصغار أكثر لكونها قصص خيالية؛ ولكنها تتعامل مع موضوعات ناضجة ومهمّة للغاية كـ الأحلام، العالم، الدمار، السلام والحُب ، وبعضها حتماً تستحق القراءة كـ أوغسطس بطلها طفل يُدعى أوغسطين يتم منحة منذ صغره نعمة سحرية وهي أن يكون محبوباً من قبل الجميع، وبعد مرور الزمن تتحول هذه النعمة إلى لعنة؛ ويكتشف أوغسطين أن كل ما يحتاجه هو القدرة على العطاء وحُب الآخرين وليس تلقّى الحب فقط. في قصة أخرى وهي أنباء عجيبة من نجم آخر وبطلها فتى يعيش في عالم يسوده الحُب والمودة والسلام ولا يعرف العنف حتّى في الكلام، تمرّ قريته بكارثة طبيعية، ينتج عنها العديد من الضحايا وتفقد الكثير من الزهور لدفن كل الضحايا، فيتجه الفتى للملك ليمنحه زهور المدينة بأكملها وفي أثناء طريقه زار في المنام عالم مدّمر -كعالمنا- يسوده العنف والحرب والدم، ولك أن تتخيل كيف سينصدم.
أما بالنسبة لقصتي المُفضلة فهي زهرة السوسن، بإمكاني أن أشعر بروح هسه ترافقني طوال القصة، آنسلم بطل القصة في أثناء ممارسته للحياة بدأ يفقد شيئا في روحه شيئا مقدساً وبدونه لا يمكنه أن يحصل على السعادة؛ فيبدأ في البحث عنه، وما أصعب أن تبحث عن شيء لا تعرف ما هو ولكنك على يقين أنّه كان مُلكك وفقدته ولن تعرفه إلا إذا وجدته. القصص الأخرى [ أحلام الناي، والممر الصعب ] جيدة أما [ حلم مسلسل، والشاعر ] عادية نوعا ما.
إذن القصص ممتازة جُزئيا، إن كُنت لا تهوى الحكآيا الخيالية رُبما لن تُعجبك، ولكن إن كُنت تُحب كتابات هيرمان هسه فـ حتماً ستُعجبك .. بالإضافة إلى أنني أنصح بها للقرّاء الصغار .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ملاحظة بسيطة لكن مهمة : يتضمن كتاب أحلام الناي 7 قصص قصيرة، هذه الـ 7 قصص موجودة في كتاب النسخة الانجليزية "Strange News from Other Star" ، ولكن مع فارق مهم وهو وجود قصة ثامنة، إن كان تم نقل النسخة العربية من هذا الكتاب لستُ أدري لماذا لم يتم ترجمة القصة الثامنة، أما إذا تم نقله من الأعمال الكاملة لهيرمان هسه وأن القصص من اختيار المترجم فهذا يجعله كتاب منفصل؛ وللأسف لا يوجد توضيح أو تفسير للأمر في تقديم المترجم، وإن كان أحدكم يا أصدقاء بإمكانه أن يُصحح معلوماتي سأكون ممتنة .
أولا، هذا النوع من السرد دائما يفتنُني؛ حينما تسمع القصة من كُل أطرافها تشعر وكأنك عشت الموقف وكُنت هُناك معهم، بالإضافة إلى أنّه يعطيك الصُورة ال ||-
أولا، هذا النوع من السرد دائما يفتنُني؛ حينما تسمع القصة من كُل أطرافها تشعر وكأنك عشت الموقف وكُنت هُناك معهم، بالإضافة إلى أنّه يعطيك الصُورة المُتكاملة لا الصورة من وجهة نظر البطل أو الراوي .. وهنا نجيب محفوظ أبدع إبداعاً بهيّاً .
في بنسيون ميرامار الذي كان بنسيون السادة في أزمنة غابرة، والذي تشهد له إسكندرية تاريخه الحافل مع مالكته اليونانية مدام ماريانا، تجتمع فيه شخصيات روايتنا التي تختلف عُمرياً، فكرياً وثقافياً .. لكل شخصية رواية خاصة بها تبدأ بـ عامر وجدي الذي يعود لمسقط رأسه الإسكندرية ولا يجد مكاناً ليقيم فيه سوآء بنسيون الصديقة القديمة ماريانا و "جميل أن يجد الإنسان صديقا يقاسمه وحدته"، ثاني نزيل طلبة مروزق من كان تجمعه علاقة حُب وود بـ ماريانا في الماضي، وبعدها شيئا فشيئا بدأت غُرف البنسيون بالامتلاء .. بـ مسيو سرحان البحيري من أسرة البحيري، مسيو حُسني من أسرة علّام بطنطا، وأخيراً جاء منصور باهي مُذيع بمحطة الإسكندرية والأكثر انعزالاً بينهم .. وكانت هذه العائلة الصغيرة تجتمع على صوت أم كُلثوم وعلى مائدة الإفطار برغم التنافر والاختلاف فيما بينهم.
إن أنماط الشخصيات المُختلفة التي تُظهرها الرواية شيء طبيعي جداً، سواء وقع الحدث بعد ظروف الثورة أو وقع من ضمن أحداث الحياة العامّة، فـدائما نجد الشخصية المنافقة التي لا تملك أيّة مبادئ والتي تبحث عن مصلحتها الشخصية قبل كل شيء، كما نجد المعارضين للثورة والمؤيدين لها بشدة وأحياناً كثيرة بلا أسباب واضحة وهناك المتحرر والمعقد والصامد .. هذه التشكيلة التي بناها محفوظ هُنا تُحاكي الواقع تماماً.
[image]
أما عن مركز الرواية، والشخصية التي تدور حولها الأحداث هي -زُهرة- الفلاحة التي هربت من واقع تزويجها بشخص بـ عمر جدها، إلى واقع عملها كـ خادمة في بنسيون ميرامار، وإن كانت زُهرة رمزاً لـ مصر فـالكل يُريد جزءاً منها، وإن كانت رمزاً للحياة فالجميع يطمح ليأخذ أكبر قدر منها، وإن كانت مُجرد رمز للمرأة القويّة الجميلة فـ بالطبع سيسعى الجميع وراءها وقد يكون السعي بنيّات سيئة أحيانا والتي قد تتعرّض للخُذلان والانكسار ولكنها دائما ما تبقى صامدة واقفة .
الرواية مُمتعة للغاية وتشعر أنك تلتهم الورق وأنت تقرأها، وحتماً ستجعلك تقع في غرام الإسكندرية.
[image] يقول ماركيز "إن تمزيق القصص القصيرة أمر لا مناص منه، لأن كتابتها أشبه بصب الاسمنت المسلح وهذا يعني انه إذا لم تنجح القصة القصيرة من المحاولة||-
[image] يقول ماركيز "إن تمزيق القصص القصيرة أمر لا مناص منه، لأن كتابتها أشبه بصب الاسمنت المسلح وهذا يعني انه إذا لم تنجح القصة القصيرة من المحاولة الأولى فالأفضل عدم الإصرار على كتابتها "، وهذا بالضبط كان مصير معظم مسودّات ماركيز من القصص القصيرة، والتي على حد قوله لم تقنعه هو نفسه، وبذلك وصلت إلينا اثنتا عشر قصة قصيرة من أصل ثمانية عشرة موضوعاً من أصل أربعة وستين موضوعاً. هذه القصص تتناول حياة الأمريكيين اللاتينيين في أوروبا لذلك منحها صفة المهاجرة.
القصة القصيرة الجيدة لا تقل عن الرواية بشيء، حتّى أنّها تُحدث فيك أثراً كما تُحدثه الرواية الجيدة؛ فالكتابة تعتمد على صناعة الأدب الجيد أياّ كان الشكل التي تتحول إليه، وماركيز أحد صُناع الأدب الجيد والمُدهش .. وإن كآنت هُناك كلمتين لوصف هذه المجموعة من القصص فستكون عبقرية مُذهلة ، إن أكثر ما يجعلها مُثيرة ومرعبة هو أن تصدّق لاحتمال 1% أن مثل هذه المواقف قد تُصيبك وأنت مغترب، أو أن تصدق أن هذه القصص قد حدّثت فعلاً لمن لم يكن حظه جيداً بما يكف��.
قصصي المُفضلة من المجموعة: أثر دمك على الثلج، جئت لأتكلم في الهاتف فقط، بائعة الأحلام، رعب آب، ماريا دوس براسيريس ،صيف السيدة فوربس السعيد ورحلة موفقة سيدي الرئيس .
هل سبق لك أن قرأت نص جعلك تفقد عقلك؛ لدرجة أنّك لم تعد تميّز بين ما هو حقيقي وما وهم ؟! هذا الكتاب يفعل ذلك .
فيليب مونترو، مدّرس تاريخ يعمل في إحد||-
هل سبق لك أن قرأت نص جعلك تفقد عقلك؛ لدرجة أنّك لم تعد تميّز بين ما هو حقيقي وما وهم ؟! هذا الكتاب يفعل ذلك .
فيليب مونترو، مدّرس تاريخ يعمل في إحدى المدارس العامة، يقرأ في يوم من الأيام إعلان وظيفة "مطلوب شاب متخصص في التاريخ، أنيق، يعمل بضمير، يجيد اللغة الفرنسية الدارجة إجادة تامة" الغريب في هذا الإعلان أنّه يملك وصف دقيق عن فيليب وكأنّ الإعلان كُتب خصيصاً له، بعد ذلك يتقدّم فيليب للعمل، يكتشف أن صاحبة العمل إمرأة عجوز غريبة الأطوار تُدعى كونسويلو تعيش في منزل قديم ومُظلم، والعمل المطلوب منه هو ترتيب مذكرات زوج العجوز الميت بشرط أن يعيش في البيت معها ومع ابنة أختها "أورا".
البيت كبير ومظلم يقع في وسط المدينة وتحيط به مباني حديثة وشركات، لا كهرباء فيه ولا مصابيح وحتى أثناء النهار يكون البيت غارق في ظلام عميق، هذا الأمر ازعج فيليب وكان من الممكن أن يرفض العمل لولا وجود كائن جميل لطيف يُدعى "أورا" ، ولكن هل أورا كانت موجودة حقاً ؟
بالرغم من أن الرواية قصيرة جداً، إلا أنّها تطرح موضوع حساس، الشباب والشيخوخة، هل الإمكان إعادة إحياء الماضي؟ هل بالإمكان أن يظل الماضي حياً للأبد؟ بالإضافة إلى جو الغموض الهستيري ، ماذا عن أورا؟ هل كانت هُناك؟ هل عيناها خضراوتان فعلاً؟ هل كانت ترتدي تندورة التفتا التي تجعلها جميلة جداً؟ وأسئلة لا تنتهي أبداً .
أحببت السرد في القصة، ممتع ومتوقع وغير متوقع أيضاً، مع فيليب تبدأ بتوقع الحقيقة ولا تعرف إن كانت هي الحقيقة فعلا أم لا حتى تنتهي وقد تتفاجأ بالنهاية، قصة قصيرة ممتازة؛ بالرغم من أنّها نُشرت كـرواية ولكنها أقرب للقصة القصيرة، وأنا شخصياً قرأتها وقيّمتها بناءً على أنّها قصة قصيرة .
في زمن قديم جداً في بلاد الهند كان هُناك شاب يُدعى : سدهارتا. كان سدهارتا شاب مُحترم ومحبوباً من قبل الجميع، لقد كان يبعث السعادة والبهجة ف||-
[image]
في زمن قديم جداً في بلاد الهند كان هُناك شاب يُدعى : سدهارتا. كان سدهارتا شاب مُحترم ومحبوباً من قبل الجميع، لقد كان يبعث السعادة والبهجة في الجميع ولكن سدهارتا نفسه؛ لم يكن سعيداً. بالرغم من أنّه تلقّى تعاليمه الدينية كاملة وكان يكبر ليصبح متعلماً عظيماً، وكان ينتظره مستقبلاً باهراً كـ ابن البراهمي، كان سيصبح كاهناً وأميراً بين البراهما. ولكن كل هذا لم يكن كافياً ليشعره بالرضا والسلام؛ كان يشعر أن شيئاً مهماً ينقصه، كان واثقاً من هذا الشيء، عقله يتعطش للمعرفة، وروحه تبحث عن السكينة .. وكان على يقين لا التعاليم ولا الأساتذة ولا المبادئ القديمة الراسخة بإمكانها أن تعطيه إجابة عادلة .
"وما من شيء في الدنيا أعرف عنه أقل مما أعرف عن نفسي، عن سدهارتا" ، إذن في سبيل البحث عن الذات، ترك سدهارتا والديه وقريته، وبدأ سعيه في الحياة مع رفيقه غوفندا، بدايةً التحق بالسامانا -وهم المتصوفين الزهاد الداعين إلى المساواة- مارس حياة التأمل والألم والعطش والجوع حتّى تعلم كيف يفقد الإحساس بكل شيء ويصل إلى إنكار الذات؛ بعد فترة ترك السامانا لأن فلسفة حياة السامانا لم تحقق هدفه في الحصول على السكينة والرضا.
بعدها التقى بـ غوتاما وهُنا فقد صديق عمره الذي التحق بغوتاما ليصبح من تلاميذه وأتباعه لكن سدهارتا لم يبق. غوتاما بوذا هو شخص مقدّس قد حقق الخلاص ووصل إلى السكينة، وقد نتسائل هنا لماذا لم يبق سدهارتا ليتعلم من الشخص الذي حقق ما يريد سدهارتا نفسه تحقيقه وهذه المرة الأولى التي يلتقي سدهارتا بشخص مثله، لأنه وببساطة سدهارتا كان يؤمن أن لا أحد يحقق الخلاص من خلال التعاليم ولا أحد يستطيع أن ينقل بالضبط ماذا يحدث أثناء عملية الخلاص والتنوير، وكانت هذه أسباباً كافية لتجعل سدهارتا يمضي في رحلته وحيداً.
مضى سدهارتا بحثه في الغابات والقُرى،يتأمل تارة السماء والنجوم وتارة الحيوانات والأشجار، صار يرى عالماً جميلاً لم يسبق له أن رآه فهو لم يكن موجوداً أما الآن بات على يقين بأنّه موجود ومنتمِ إلى هذا العالم، إلى أن التقى في احدى المُدن سيدة جميلة جداً اسمها كامالا، وتعلّم على يديها أساليب الحُب والعشق .. وعاش في تِلك المدينة وتاجر فيها إلى أن أصبح بالغ الثراء وجرّب كل ملذات الحياة الدُنيا؛ وبعد سنوات عديدة اكتشف أن هذه الحياة فارغة، تافهة ومؤلمة جداً ولا يمكن لها أن تحقق ما كان يبحث عنه طوال عُمره، فترك كل شيء خلفه وذهب إلى النهر. هناك التقى بـ المراكبي الذي سبق أن رآه قبل سنوات وأوصله للطرف الآخر، وبمساعدة المراكبي وجد سدهارتا ضالته في النهر، تأمل النهر وتدفقه، أصغى لأصواته وتعلم الكثير منه، إلى أن حصل على السكينة والخلاص، والأهم أنّه حصل عليهما من تلقاء نفسه.
ختاما، بغض النظر أن الرواية تستند بشكل كُلي على ديانتي الهندوسية والبوذية، فهي تعطي نموذج للإنسان الباحث عن جوهر الأشياء وهذه طبيعة البشر، تُعطي نموذج لـرحلة الحياة بكل ما فيها من مآسي وإنجازات، مشاعر ونكران، حزن ويأس ورغبة ونضال وهذه صورة لحياة كل إنسان .. وفيها من الحكمة الكثير. هيرمان هسه هُنا قدّم رواية رائعة بسرد جميل ومفهوم، ولا أعتقد أنّه يريدنا أن نتعلم شيئا بقدر أن نُدرك أن على المرء أن يجرب كل شيء بنفسه، وأن البحث وراء المعنى دائماً يُجدي ويمنحنا الإجابات التي نبحث عنها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ملاحظة:- ترجمة ممدوح عدوان الصادرة عن داريّ: دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع ودار أثر للنشر، ترجمة ممتازة جداً .. كما أن غلاف الكتاب جميل :)
||- كُتب على غلاف رواية جميلة "أجمل قصة حب في العالم" على حسب رأي الكاتب الفرنسي لويس أراغون، لذلك ستعتقد بأنك ستقرأ عن قصة حُب مميزة، ليس بالضرورة أنّ||- كُتب على غلاف رواية جميلة "أجمل قصة حب في العالم" على حسب رأي الكاتب الفرنسي لويس أراغون، لذلك ستعتقد بأنك ستقرأ عن قصة حُب مميزة، ليس بالضرورة أنّ تكون الأجمل في نظرك ولكن عالأقل ستكون قصة حُب جميلة، حسنا هي ليست كذلك -عالأقل ليس بالنسبة لي- بالطبع هي قصة حُب لكنّها عاديّة جداً . ورُبما تكون هذه المقولة هي أكثر ما جعلني أشعر بالإحباط، ولستُ أقول أنّها يجب أن تؤثر في الرواية ولكن قد تسبب بعض الارباك .
في قرية صغيرة في كآزاخستان في أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث ذهب كل الرجال للحرب، لم يبقى في القرية سوى الشيوخ والأطفال والنساء والفتيان .. كان هُناك فتى يُدعى سعيد، الفتى الذي ذهب كل إخوته للحرب، وأصبح عندها رجل العائلة، فاضطر لترك المدرسة والعمل بما يقوم به الكبار في الحقول، سعيد هو من سيحكي لنا هذه القصة، وكل ما سيحدث ويتطور ويتحقق سيأتينا من وجهة نظر سعيد.
يُخبرنا سعيد عن قصة الحب التي تجمع بين جميلة، المرأة القوية المرحة المتزوجة حديثاً من صادق -أخ سعيد- والذي ذهب للحرب تأديّة لواجب الوطن والذي لم تربطه بعد أي روابط عاطفية قويّة بزوجته، وبين الطرف الآخر وهو دانيار الكتوم المُحب للعُزلة الذي عاد للقرية بعد أن أصيب في الحرب. يُخبرنا عن صلابة جميلة، عن حس فكاتها وعن أسلوب حياتها وعنادها وعملها بأعمال شاقة لا يعملها إلا الرجال، عن القوّة والطاقة الايجابية التي تبعثها جميلة فيه وفي كلّ من يراها، وبعدها يحكي لنا عن جديّة دانيار، عن إجتهاده في عمله وعن عزلته وتأملاته وعن صوته الجميل الذي يبعث في النفس راحة ويُعطي للحياة طعماً أجمل، ثم تكبر بذور الحُب في قلب جميلة ودانيار، حتّى تعتقد أنّهما أحبّا بعضهما قبل أن يلتقيا، وتنتهي القصة بانتصار الحب.
إن أكثر شيء مُدهش في الرواية هي شخصية جميلة، لو كانت الرواية تحكي عن جميلة فقط من غير قصة الحُب كُنت سأحبّها كثيراً، لا عجب أن جميلة كانت تعيش حرباً داخليّة غير الحرب التي ذهب إليها زوجها، حرب مع النفس، ومع الانتظار ومع التقاليد ومع المبادئ، حرب مع القرية ونظامها والتي رُبما لم تمنحها ��وما حق الاختيار !
وقوع جميلة في الحُب ليس أمراً خاطئاً أبداً؛ ولكن هُروبها مع الشخص الذي أحبّته وهي متزوجة بآخر ليس أمراً حسناً كذلك، إنّني لا أميل إلى قصص الحُب المبنية على الخيانة والتي لا تعطي أي حق لقُدسيّة الزواج -مهما كان شكله- ومهما كانت المبررات.
بدايةً حينما بدأت قراءة كتاب في انتظار البرابرة، كُنت أتوقع ظهور البرابرة بصورة أو بأخرى ولكن نسيت -لسذاجتي- أن عنوان الكتاب يشمل فعل الـ انتظار ، ||-
بدايةً حينما بدأت قراءة كتاب في انتظار البرابرة، كُنت أتوقع ظهور البرابرة بصورة أو بأخرى ولكن نسيت -لسذاجتي- أن عنوان الكتاب يشمل فعل الـ انتظار ، بمعنى آخر كان يجب أن أتوقع أن البرابرة لن يأتون وربما لن يكون لهم حتى ظل الحضور !ـ
بطل الرواية القاضي -الذي لم يذكر له اسم- الذي يملك نظرة مختلفة عن البرابرة عن ما يملكه نظام الإمبراطورية -التي لم يذكر لها اسم- التي يحكمها امبراطور -هو الآخر لم نعرف اسمه-، يعمل القاضي لصالح الإمبراطورية كـ قاضي ومدبّر لـ أمور الناس في قرية صغيرة -أيضا لم يذكر لها اسم- على الحدود في زمان -لا نعرفه- غير معيّن .ـ
إذن كوتزي هنا يكتُب بلا مكان وبلا زمان؛ قد تكون هذه الطريقة مُنفرّة لبعض القراء لأن اختفاء تفاصيل كهذه قد تبعد القصة وما تحمله من قضايا عن صورة الواقع، لكن ليس هُنا بالأحرى ليس معي لم يشكل ذلك مشكلة أبداً، رُبما من السهل جداً أن تتخيل الأمور المفقودة !!ـ
إن ما حدث هنا، أن هذه القرية البسيطة كآنت تعيش باستقرار وكان القاضي يمارس أعماله في إرساء العدل بين الناس ومساعدتهم في أمور حياتهم حتّى إنتشرت إشاعة مصدرها المكتب الثالث الذي يعتبر أحد أهم القوى في النظام الإمبراطوري "أن البرابرة في أنحاء الإمبراطورية قد إتحدّوا وأنهم يخططون لشنّ حرب"، ما إن انتشرت هذه الإشاعة حتى إنقلبت الحياة إلى جحيم، ولك أن تتخيل ما تفعله كلمة "حرب"، ولمنع هذه الحرب المزعومة يجتاح جنود المكتب الثالث القرية الصغيرة ويقلبها رأساً على عقب.ـ أما بالنسبة للقاضي الذي يحكي لنا القصة وبطلنا يملك رأي مختلف ومناقض تماماً لرأي السلطة فهو يرى أن هؤلاء البرابرة مجرد ناس بسطاء لا يشكلون أدنى خطر على الدولة، بالإضافة إلى علاقته بالفتاة البربرية التي استخدمت بعد ذلك كـ دليل على أنّه متعاون بصورة أو بأخرى مع أعداء الدولة، وهكذا يكون القاضي معارض للنظام بالرغم من أنه لا يسعى أبداً لذلك؛ فـ تُسلب مكانته ويتعرض للاستجواب ثم للسجن بالإضافة إلى أنّه لا يُمنح محاكمة عادلة حتى يعبّر فيها عن رأيه -الذي هو السبب في كل ما مرّ به- ويعتبر من أعداء الدولة وكل هذا لأنه وببساطة يملُك رأياً آخر !ـ
إذن، من هم البرابرة؟ هل هم العدو؟ وهل يشكلّون الخطر الأكبر على الوطن؟ وهل يتواجدون في كل المجتمعات؟! أم أنّهم عدو خيالي؟ غير حقيقي؟! إحتاجته الإمبراطورية لخلق هذا الجو المضطرب بهدف النهب والإستيلاء وفرض سيادتها ؟!ـ
حسنا، البرابرة ليسوا الأعداء ولم يكونوا في المقام الأول كذلك، إن كل ما حدث وليد خيال السُلطة وأن البرابرة هم العُذر؛ إن هذا الكتاب يجعلني أتسائل وأنا ألقي نظرة على الحُروب في تاريخ الإنسانية، هل رُبما في مرة لم يُكن هناك عدو حقيقي حيث وقعت حرب ؟! -ولا أنكر هنا وجود أعداء الوطن والإنسانية بالكامل- ولكن هل من الممكن أن يحدث مثلما حدث هُنا ؟!ـ ومن جهة أخرى أتسائل كيف يمكن لـ مخاوف قد لا تكون حقيقة أن تسبب كل هذا الدمار ؟ كيف لـ أفكار بائسة عن فئة قد تشكل خطراً -وهو فالأغلب غير حقيقي- أن تُحدث كل هذا؟ ولستُ أدري هل الإنسان مسكين أم طاغية بسبب هذا التفكير !!!ـ
بإختصار، كتاب "في إنتظار البرابرة" كتاب عميق، مؤثر، وهو بالتأكيد أحد تلك الكُتب التي تحتاج أن تقرأه وتعيشه !ـ
هذه الرواية تبدأ بعد أن تنتهي، الإحساس الذي تخلفه وراءها من الصعب تجاهله أو نسيانه .
إنّها المرة الأولى التي أقرأ فيها لموراكامي، المرة الأولى التي||-
هذه الرواية تبدأ بعد أن تنتهي، الإحساس الذي تخلفه وراءها من الصعب تجاهله أو نسيانه .
إنّها المرة الأولى التي أقرأ فيها لموراكامي، المرة الأولى التي أجد نفسي في عالم غريب جداً، عالم مُثير للحيرة والقلق يتماهى فيه الواقع بالخيال، عالم ملئ بالمفارقات وعدم اليقين، عالم يجعلك في حالة تساؤل وشك دائمة . بالإضافة إلى ذلك، القصة نفسها غريبة وشخصياتها غريبة، الشخصية الرئيسية رجل في الثلاثين من عمره، مطلق ويعمل كـ صحفي حسب الحاجة وعادة ما يطلق على عمله بـ جرف الثلوج، في بداية القصة تلاحق هذا الرجل أحلام بخصوص صديقته السابقة -كيكي- الذي التقى بها عدة مرات في فندق يدعى فندق الدولفين وتظهر فالحلم باكية وتبحث عنه، ويبدأ رحلته بالعودة إلى ذلك الفندق الذي تحول إلى فندق كبير جداً يختلف عن القديم في كل شيء إلا اسمه، الشخصية الأخرى والمثيرة للفضول هي فتاة في الثالثة عشر من عمرها تُدعى يوكي ويعني ثلوج، تعيش معظم الوقت لوحدها لأن والديها المشهورين مشغولين جداً عن الإهتمام بها، تعشق الموسيقى وتمتلك قوى خارقة في قراءة المستقبل وتلتقي ببطلنا وتسير القصة مسار لا يمكن أن تتخيله .
الصعب هنا أن تحاول أن تصنف الرواية، فهي رواية تشمل كل شيء، فنتازيا، واقعية، دراما، نفسية، جريمة قتل، خيال علمي، رومانسية، سياسية، رُعب وأشباح، ورموز روحية وقوى غير مرئية، فيها الكثير من كل شيء، لدرجة تشعر بازدحام أفكار الكاتب في رأسك والشعور ليس طيباً للغاية .
جوهر الرواية متمثل بـ الرقص، "ارقص، يجب أن ترقص ما دامت الموسيقى تعزف، يجب أن ترقص" ، وهنا يجب أن تتساءل من الذي يعزف الموسيقى ؟ هل هو أنت ؟ أم الأحداث التي تسير في حياتك ؟ أم هنالك قوى خفية لا تراها تعرف الموسيقى طوال الوقت ؟ .. المهم أن تستمر بالرقص بكل قوتك؛ لأنه ما إن تتوقف ستفقد نفسك وقدرتك على التحكم في حياتك .
Tami Zaabi
>
Books:
fiction
(49)
Loading...
