في واحدٍ من تلك البيوت المتشابهة، اللصيقة ببعضها، ثمّة بيت، منذ ابتنته الحكومة في أواخر السبعينيات، بقيَ على حاله، حتى وطلائه الأصفر قد تقشّر، وبابه الحديدي كثٌرت حفره، وصناديق الجرائد، التي ما عاد أغلبها يصدر، مثبتةٌ على جداره. وكان المارة بالقرب، في ليالي الصيف الحارة حتى، يلحظون خيط نارٍ ينبثق من فضاء حوشه، ويشمّون رائحة تُشبه الحريق إلا قليلًا، لكن أحدًا منهم لا يتوجّس خطرًا، إذ الجميع يعرف أنه بيت خليف عجيل، أبي، الذي يرعى أمه العجوز؛ حمضة السَّحّاب؛ تلك التي تتحرّى قدوم الربيع منذ أكثر من سبعين عامًا.
في كل صبح، وكمن تمارس طقسًا يوميًا، تطل من باب البيت. تشخص ببصرها نحو السماء. يداها تعبثان بخيوط الشّال؛ إذ في الأيام التي تصل درجة الحرارة، بالنسبة إلينا، إلى الخمسين مئوية، كانت تحيط كتفيها به. وحين تصل إلى ما دون العشرة، والصفر أحيانًا، فيتضاعف البرد في جسدها، تتدثر بمعطفٍ صوفي يصل إلى حد فخذيها. تقطع خطوات عدة في الحوش، لتتعرف إلى كنه الجو. وحين لا يهب عليها نسيمٌ رقيق، ولا تلفحها حرارة، وهو ما يحدث دائمًا، تلتفت إلينا متسائلة: "هوَّ الرّبيع إيا لو بعد؟".
عبدالله الحسيني. صدر له: ١. لو تغمض عينيك 2017 (جائزة ليلى العثمان للإبداع في القصة والرواية 2018). ٢. باقي الوشم 2022 - عن منشورات تكوين (جائزة غسان كنفاني للرواية العربية 2024).
باقي الوشم رواية للكاتب الكويتي الشاب عبد الله الحسيني وهي رواية بتلقي الضوء علي مشكلة البدون بكل الصعوبات التي تواجههم وما أكثرها الصراحة...
كعادة الكتاب الكويتيين لغة الكاتب كانت لغة قوية و رصينة ..الموضوع طبعاً مهم ولكن معرفش ليه كان في حاجز واقف بيني وبين هذه الرواية ... حسيت الرواية موجهة للكويتيين فقط والدليل علي دة إن كلمة بدون ذكرت مرة واحدة فقط في كل الرواية وعلي استحياء كمان، يعني لو قارئ معندوش خلفية علي الموضوع حيبقي مش عارف الكاتب بيتكلم علي ايه!
اللغة رغم قوتها إلا إني وجدتها جافة ومتكلفة أحياناً.. باستثناء شخصية الجدة،شخصيات الرواية كلها باهتة وملهاش طعم...مقدرتش أعرف حد منهم ولا أندمج معاهم...
اللهجة العامية الكويتي كانت كتير جداً وأجزاء منها مش مفهومة... قصة الجدة التي تنتظر الربيع منذ أكثر من ٧٠ سنة لم تعجبني علي الرغم إني فاهمة ما ترمز اليه..
مقدرتش أحب الكتاب علي الرغم من تقييماته العالية.. التقييم ٢ و لكن عشان عرفت منها معلومات كتير عن البدون لم أكن أعرفها من قبل فحرفع التقييم ل٣ نجوم..
يكتبُ الحسيني الحقيقة باردة ونيئة، التراجيديا عنده معجونة بالكوميديا، وشخوصه بقدر ما تمعنُ في الأسى، تتعفّف عن المأساوية وتبرع في التأسّي؛ تمامًا مثل «حمضة السَّحاب» في انتظارها للربيع.
لا تتخلق الدراما في «باقي الوشم» مثل موسيقى تصويرية دخيلة، أو لغة متورّمة محقونة بالستيرويد، بل في أحشاء الحكاية وفي فتيت التفاصيل. إنها رواية مكتوبة بكمالٍ مثالي، سيحتفي بها البعض بسبب موضوعها، ستحصد أوسمة وشهادات نبل وإنسانية بصفتها أفضل ما كتِب عن مأساة البدون - وهذا صحيح - إلا أنه مجحف أيضًا، لأننا ينبغي ألا ننسى ولو للحظة درجة العناية المبذولة من قبل الحسيني في سكّ العبارات، وخلق الإيقاع، واستنبات الاستعارات من جسد المكان، والإتيان بشخوص مقنعة لدرجة أنّك تريد أن تصدر لها «شهادة ميلاد» بتعبير يان مارتل، رغم أنَّ المأساة الحقيقية هي حرمانها هذا الحق.
إذا لم تحقق هذه الرواية المقروئية التي تستحقها، فهذا لأنَّ العالم غير عادِل، ولأنَّ قوانين السوق تؤثر ما هو سهل ومبتذل مقابل ما هو حقيقي وطازج. لكن في كل الأحوال، أصبحت في خارطة الأدب الكويتي اليوم علامة فارقة يصعب تجاوزها أو حتى تجاهلها، ورغم أنها قراءتي الثانية لهذا النص، إلا أنني بكيت يا عبدالله، حمضة شلعت قلبي..
تتناول رواية "باقي الوشم" عائلة من البدون بالكويت، شكل حياتهم اليومية، المعاناة الواقعة عليهم بسبب خطأ لا يداً لهم فيه، مُتخذين من الجدة ذات السبعين عاماً مركزاً للأحداث، فكانت "حمضة السحاب"؛ هي المرجع التي نعود له، كُلما ضللنا الطريق، كالشجرة، واقفة، مُتماسكة، وصامدة، تنتظر ربيعاً لا يأتي. ومن خلال هذه الحكاية المؤلمة، يسرد الكاتب شخصيات العائلة المُختلفة، التي يوجد فيها أب عسكري، وأم ربة منزل، وأولاد يُكافحون من أجل كل شيء، مهما كان يبدو لك بسيطاً، وحتى لم تتعب فيه بحياتك الشخصية، على سبيل المثال: حق اختيار التخصص الذي تنوي دراسته، حتى هذا محفوف بالمخاطر بالنسبة لهم، بالإضافة إلى كونه مستحيل أيضاً. فما بالك بباقي الأشياء؟ إنها لعنة أن تُولد في الجانب الخطأ؛ هناك من وُلد فوجد حياته هانئة، لا تشوبها شائبة فما انفك يخلق المشاكل والعقبات في حياته اليسيرة، وهناك من وُلد ليجد أن ولادته في الأساس عبئاً ومشكلة، من أول يوم في حياته يكافح، حتى قبل أن يعرف ما هو معنى المكافحة والمُثابرة! تكافح ضد كل شيء، حتى نفسك، تخاف أن تجد نفسك يوماً ما، لا تُكافح، وتصبح حياتك رماداً تبقى من حريق دائم لا يتوقف.
"كان يستحيل التمييز بين الأشياء التي نُحب، وتلك التي فُرضت علينا، ذلك أن الاختيار كلمة ليست من شأننا."
أقرب الشخصيات بالنسبة لي كانت "محمد"، وفينا من التشابهات أكثر من الاسم، محمد الثوري الثائر، الذي يرفض وضعه، ويرفض الظلم الواقع عليه، فلا يتورع من الذهاب إلى المظاهرات أو الوقفات الاحتجاجية حتى ينل حقه، شعلة حماس لا تنطفئ، ولا يعلم من أين له بكل هذه القوة، كيف أصبحت الشجاعة سم�� أساسية في شخصيته الأخف من ورقة شجرة، ثم تنطفئ جذوة محمد؛ وكلنا مررنا بتلك اللحظة، اللحظة التي نعرف فيها أن كل ذلك لا طائل منه، وأنه لا فائدة ترجو من كل ما يحدث، فيذهب الحماس بلا رجعة، وتكتسب نظرة خاملة، وكلمة واحدة ترددها بلا كلل أو ملل عندما تُسأل عن الأحوال والأوضاع؛ ألا وهي "طز"، فلا يوجد فارق، يبقى الظلم على ما هو عليه.
ختاماً.. رواية "باقي الوشم" كُتبت بحزن حقيقي، ووجع بحجم الكون، رغم أنها تحمل العديد من اللحظات اللطيفة بين دفء العائلة، وسمرهم، وحكاياتهم المختلفة، وأمل "حمضة السحاب" أن ترى الربيع، ولو لمرة. ولا بُد أيضاً من الثناء على لغة الكاتب، ففاجئتني الكلمات العتيقة المناسبة للأحداث، وخصوصاً في الأحداث التي تُستدعى من حياة "حمضة"، والتعبير عن كل شخص بلغته وألفاظه، فكان السرد متوازناً، يحمل ألماً ووجعاً، ومرحاً، ولكن بنظرة واحدة على أغلب الشخصيات ستجد أنهم يتألمون، ويتمنوا لحظة واحدة دون كل ذلك.
كان عبدالله الحسيني في هذه الرواية الأبرع في الدفاع عن قضية البدون ، كتبها بشخصية واحد منهم ، تقمص بل عاش فيهم حتى النخاع ، رفع الأغطية ، كشف الحُجب، عرٌى الجميع المُصاب بالتقسيم ، والتصنيف ، والعنصرة ، والأهم مرضى (ألم العجز) .
غطى وشوم الجدة "حمضة السحٌاب" ، نقب "الهايشة مريم" التي تذهب لعملها المتواضع في الصالون النسائي لعدم قدرتها على استلام شهادتها الجامعية ، ثم فضح بصوتهّن المجتمع بطريقة ملحمية صادقة .
"مثل نبيٌ يكذب قومه ، كانت جدتي حمضة السحّاب" .
ماتت حمضة وهي تتمني "القران السابع ، المجيع والشابع" وبقينا بعدها على خطى إنتظار ذلك الربيع المسلوب.
عبدالله الحسيني ، نقشت اسمك في خارطة الأ��ب الكويتي ، بحروف من ذهب .
لا يصرح الكاتب بموضوع الرواية ولكنه يستدرج القاريء ليجد نفسه في قلب المشكلة، ويتعرف عليها من تلقاء نفسه.
يجد القاريء نفسه فجأة داخل هذه العائلة التي تحمل هم أشياء لا تدور بخلد أحدنا، مشاكل لا نتخيل أن نحمل همها، سببها أنهم بلا جنسية ولا يحملون بطاقات هوية معترف بها.
شهادة الميلاد والبطاقة الشخصية مسلمات في حياتنا لكنها أحلام مستحيلة في عالم هذه العائلة من البدون.
استخدم الكاتب لغة خشنة مناسبة تماما لموضوعه، لم تكن صعبة لدرجة استحالة الفهم بل هي سر حلاوة الرواية، لغة جعلتنا نقترب من حياة ابطاله، ونشاركهم همومهم.
الرواية على قصرها مليئة بالاستعارات والتلميحات الذكية.
"لم يذكر اسمها في نشرة اخبار التاسعة، لم تكتب في قائمة وفيات الغد، لم تكن لها شهادة وفاة، كأنها كانت محض خيال في رؤوسنا".
الرصد بالإحالة : في رواية باقي الوشم لـ عبد الله الحسيني
" فغرت فاها ، انفرج حاجباها بعد تقطيبة ، لهثت ، هللت؛ خليف يا خليف ، حسبناها تبشر بعودة محمد ، " هذا سرب القطا ياي صوبنا "
هل يشكل رصد الواقع مهمة من مهام الرواية ، و هل يعد توثيقه هو المُحرّك الذي يسيّرها و يحركها و يصنع تطوراتها و تحولاتها ؟ نحن نجد أن أبلغ الروايات هي تلك التي تنطلق من الواقع المعاش أو من معاناة حقيقية يُحسن الناص تجلية تفاصيلها و تضمينها بفنية عالية، غير أني أجد في رواية باقي الوشم للكاتب عبد الله الحسيني و الصادرة حديثا عن منشورات تكوين انزياحا يبتعد عن الرصد الصرف ، و يفوق أيضا الرصد الفنيّ ، بل يوجهه من خلال الانزياحات البسيطة التي تشبه " بؤرا " ولاّدة ، و التي قد تتعدى إلى الرمزيات في محاولة لمواكبة و تضمين معاناة شريحة الكويتيون البدون . و حين نقول مواكبة علينا استيعاب أن الرواية كائن ��ي متطور و إننا لا نمشي - حين نُبيّن ذلك - بدرب الترف الروائي ، إنما يتأكد من خلال ملاحظة ما وصلت إليه الرواية اليوم بعد نمو معرفي بالقضية ، و مدى تأثير عاملي : - الزمن . - تراكم الأعمال السابقة التي قدمت القضية .
فرواية باقي الوشم كرست قضية البدون لكنها تفردت بذاتها و قدمت صوتا خاصا يعتمد على الإحالات التي من أهمها : البرد و انتظار الربيع الذي تعيشه شخصية النص " حمضة السحاب " ؛ فرمزية البرد هنا هي العَين التي تفجر التدفق السردي لأحداث العمل ، و تبيّن بفنية تتعمد عدم الرصد المجرَد الصعوبات و المآزق التي تعيشها عائلة نموذجية من البدون تُعايش في يومياتها المصاعب المتنامية ، من استحالة العمل ، و صعوبات الدراسة ، و مكابدات الارتباط الزوجي ، و عدم صدور شهادات الدراسة و الولادة و الوفاة ، و حتى الن��ش في ثالوث الصراع : الهوية - الأسرة - الذات.
هذا التضمين لصعوبات البدون جاء في العمل بنحو متدفق ، يشبه المواجهات ، و لم يأتي كتطعيم مستقصد . الأمر أشبه بلعبة الاكتشاف ، أو بفتح النوافذ على مغامرة الممكن ، فالمتلقي يُنصت للراوي الذي نعرف منه : اسمه - طبيعة مسكنه ، انتظاره بعثة الدراسة - عدم حيازته على رخصة القيادة ؛ و نتبع ذلك الإنصات متتبعين للحكاية الطاغية للجدة " حمضة السحاب " التي يجرّ بردُها اللاسع كل قاطرة الألم ، و التي تتفتح من خلالها حكايا سكان الدار كمريم الهايشة ، و محمد ، و الأب المخذول ، و حتى الأم التي تبدو كمن يعيش حياة مُستعارة .فصار المتلقي يتبع الحكاية الأهم ليستقبل الحكايا الصغيرة مطواعا و مشرعا باب الفهم لاستثنائية تلك الشريحة .
و مع ذلك ، نجد أن النص نبش في جذور القضية ، كما ورد في الرواية في صفحة : ١٠٩ "ظل يقول إنها ورقة لا تضر و لا تنفع ، هاهو يسكن هنا وحياته متيسرة ، فلم هذا العنا؟ "
و أعتقد أن هذا المميز في العمل ، كون أن سطرا واحدا مكثفا يجيب عن الكثير من الأسئلة المتعلقة باستثنائية حالة البدون و ما يمكن لفعل عابر ماض أن يصنع في حيوات الأجيال اللاحقة .
- لغة الرواية :
تُظهر لغة العمل قدرا كبيرا من النضوج الروائي لدى الناص ، كون أن اللغة مُشبعة بظروف المكان و خصوصية البيئة الروائية و ما يعتمل فيها من أحداث ، و نضاحة بمفرداته و تراكيبه التي تسيل على لسان الراوي بنحوه يشببه و لا يغرّب المتلقي عنه ، فصارت اللغة في العمل يَدا ساحبة أو مغناطيسا جاذبا يمسك بوعي القارئ . فنجد مثلا هذا التركيب اللغوي : " و كما يندفع القيء فجأة اتدفع البكاء من عينيها و اختض جسدها كما لو كانت تُنقل الحزن لفرط ثقله بين أضلعها" تركيب متناغم مع البيئة بعيد تماما عن التكلف. كما نجد تعمد الراوي على استخدام كلمات مثل : قدّام بدل أمام باشتغال متناسق مع روح العمل ، و نضيف على ذلك الحورات المحكية المتنوعة بين سكّان الجهراء و أهل الحاضرة ، و بالطبع لهجة الجدة الخاصة القادمة من جهة الشمال . على أن عبارة في النص استوقفتني حين تحدثت الجدة للمرة الأولى باللهة الكويتية ، إذ قالت : " هذا سرب القطا جاي صوبنا " فهل كان الكاتب يتقصد هنا استبدال لهجة حمضة السحاب بالكويتية مقابل لهجتها الدارجة ، إذ توجب أن تقول : "هذا سرب القطا جاي مقابيلنا مثلا " و العبارة الموالية أيضا إذ قالت الجدة : "اتركني خليف هدني" و المفترض أن تقول " عوفني" مثلا . فهل كان اقتراب الربيع المنتظر ولادة جديدة لحمضة ، و نقطة انبعاث تفتح من خلالها مخابئ الروح لتتحرر من كل الأحمال و أوزار الهوية التي تخجل منها حفيدتها ، و التي تُعد عائقا عسيرا أمام حُلم المواطنة ؟
ما يمكن الركون إليه ، أن هذه الرواية قالت الكثير مما يمكن قوله عبر الإحالات ، و أيقظت عين المتلقى على قِران النجوم في محاولة تقصي الربيع المنتظر ، و أبقت على حياة حمضة التي كما تقول الرواية : "لم يذكر اسمها في نشرة أخبار التاسعة ..لم تكتب في قائمة وفيات الغد كما لم تكن لها شهادة وفاة كأنها كانت محض خيال في رؤوسنا". و إن كانت حمضة السحاب ماتت بردا كما ماتت ابنتها وضحة في الغربة ، فإنها كما غيرها من أبناء البرد مرابطون على انتظار الربيع .
" كان يستحيل التمييز بين الأشياء التي نحبّ،و تلك التي فرضت علينا، ذلك أن الإختيار كلمة ليست من شأننا "
هذِهِ الرواية من الأعمال التي وجدت صعوبة في قراءتها تحديدًا في بدايتها و كذلك في تقييمه و حكمي النهائي عليه. بدايةً موضوع العمل يجذبني جدًا و أحب القراءة فيه ..وعندما يكتب عنه كاتب مثل عبدالله الحسيني الذي و ياللمصادفة لم أسمع عنه من قبل و لم أقرأ له لكنني لا شكّ أعوّل عليه كثيرًا و أرى أنهُ سيُصبح مُستقبلًا من الأقلام العربية المميزة. العمل يتحدث عن عائلة من فئة البدون في الكويت.. يتمّ تسليط الضوء على حياة هذهِ العائلة بكل تفاصيل حياتها حتى البسيطة منها.الرواية تسير على وتيرة واحدة من بدايتها و حتى نهايتها. فلا إثارة ولا تشويق لكن مع وجود المتعة و الرغبة في الإستمرار بالقراءة. إستطاع الكاتب أن يخلق شخصيات حيّة تشعر و كأنك تعرفها منذ زمن ممّا يجعل النص واقعيّ بشكل مفرط.مما يجعلك تشعر بالمتعة و أنت تتبع يومياتهم و حياتهم المليئة بالتعقيدات حتّى في أبسط الأمور. والعامل المميز في العمل لغة الكاتب الأدبية و إستخدام الإستعارات المناسبة في المكان المُناسب.كل ذلك جعل العمل من الناحية الأدبية رائع.
حكاية نقية، شفافة، تفضحك وتُبكيك، وبيئة لم تُلمس بعد -عالاقل بهذه الصراحة-. شخوص ثابتة، حقيقية، لن تتزحزح لا بفعل الزمن ولا بالسياقات الأخرى القادمة التي ستتكرر بها قضايا البدون.
أفشل أحيانًا في كتابة المراجعات، لربما لأنني أبقى مفتونة بأصل الحكاية -وسأبقى مذهولة بـ حمضة السَّحاب وقتًا طويلاً-. لكنني سأتوقف قليلاً، كي أقول، أن الجهد المبذول واضح، وأن الحوارات بشكل خاص قد بنّت شخوص الرواية بصورة سريعة ومتجذرة في ذهن القارئ.
وأن الرواية بمجملها بُنيت على شخصية واحدة، ومن خلالها خرجت شخصيات عدة، تشبهها، وترفضها.
أنا فرح.. من سكان تيماء وفي شارع النجاشي تحديدا قرب اللوحة بماذا أبدأ؟ ( نمط منزلي وكأنه قفص )؟ عن عطالتي لمدة ٤ سنوات لأنني ( لست مثل البقية )؟ عن ( غرفتي مكتومة الهواء كأنما داخل كيس مغلق )؟ عن أبي الذي ( كان عسكرياً ) ( بطلاً من أبطال التحرير )، أبي الذي طُرد دون وجه حق لأنه بنظرهم لا يستحق ميزة المتقاعد. عن آلامي المميتة التي خلفت ( دگة ) على ظهر روحي؟ عن أحلامي التي لا تتعدى سقف ( الچينكو )؟ عن عذوبة ( الوشم ) أسفل شفتي أمي العظيمة؟ كيف أن الرواية كانت بمثابة شباك ظهر فجأة على جدار غرفتي الخانقة، وخلقت لي منفذ أصب فيه جام أسراري. شكراً عبدالله، شكراً لايصالك صورة نقية صحيحة عن الرائعة تيماء وما يحدث في قلب بيوتها شكراً على حمضة التي كانت تصور جمع كبير من الجدات اللاتي يردن أن ينصفهن أحد أن يظهر تاريخهن على الملأ كم حمضة طمسوها بعض الأبناء والأحفاد خجلاً ؟ كم مريم بقيت تتوارى في وظيفة ذات مكان مريب حتى لا يعلمن صديقاتها كم محمد لم يتزوج حتى اللان؟ كم ناصر؟ لم يدرس؟ وكم عبود؟ هنا تيماء مدينة الأحلام الضائعة في أفق اللانهاية هنا منزلي الخانق دون نوافذ هنا شارعي الذي لا يتسع لنصف سيارة هنا من لا جنسية له.. الوطن بالنسبة له سجن يحبسه في الفراغ الشائك.
رواية "باقي الوشم" لعبد الله الحسيني: طرح قضيّة البدون ببساطة المحكيّات
يبدو عبد الله الحسيني منشغلًا كثيرًا بقضيّة البدون، إذ تطرح روايته الأخيرة هذه الأزمة من خلال الدخول إلى تفاصيل الحياة اليوميّة لعائلة حمضة السحّاب والغوص في همومهم الكثيرة المُثقلة أكتافهم لأنّهم مبوّبين في خانة "البدون". الرواية تنتقد المجتمع وسلوكيّاته المخزية مع هذه الفئة المهمّشة، ويصل الانتقاد إلى درجة السخرية من المشهد الواقع السياسي في الكويت إذ ينتقد الحسيني ممارسات الحكومة الكويتيّة المعيبة في حقّ البدون من خلال شخوص الرواية، ناقمًا، مقوّضًا الظلم الواقع عليهم. كما تطرح الرواية العديد من المشاكل الشائكة التي هي في النهاية قد تكون تحصيلًا حاصلًا لأزمة البدون، مثل عقدة النقص التي يعاني منها أغلب شخوص العمل مثل مريم أو الهايشة التي تحاول جاهدة التملّص من جدّتها ذات السلوك القروي الذي قد يفضح حقيقتها قبالة المجتمع، والأب الذي قرّر تعليم بعض أبنائه في الخارج وتزويج ابنه مرّتين ليحافظ على ماء وجهه في الحيّ لئلّا يقولوا إنّه غير قادر على القيام بأسرته، وحتّى شخصيّة محمّد التي تمرّدت على الواقع المؤلم الذي أحاطها في المنزل والعمل والمدرسة. البدون هي صفة عنصريّة كافية لتتلاعب بمصائر شخوص العمل، لتهمّشهم وتستصغرهم وتحتقرهم في بلدٍ فيه كرامة الكثير من البشر مسلوبة ومعلّقة على مشنقة الكذب والقوانين الجائرة والابتزاز. يتّخذ الرواي من حمضة السحّاب منطلقًا، لكنّه لا يحقّق ما وعد به القارئ، حيث لا تتناسب جملة المفتتح التي يقول بها إنّ حمضة كانت كنبيّ! فلم نرَ الدور المهم لهذه الشخصيّة والتي تجعل من الحسيني تشبيهها بالنبي. وهنا كانت العثرة الأولى في العمل. العثرة الثانية كانت في التكرار القاتل لفكرة انتظار الجدّة للربيع الذي لا يأتي. فكرة شعورها بالبرد وهي في الكويت، وانتظارها للربيع يمكن إسقاطه على فكرة انتظار البدون للاعتراف بحقوقهم، لكنّ ا��تكرار المكثّف لهذه الفكرة بالكثير من التناصّ سواءً على صعيد اللغة أو الفكرة، قتل جماليّة ما أراد الحسيني تمريره للقارئ. العثرة الثالثة والأهم في هذا العمل هو اختيار الحسيني لعبد الله (حفيد حمضة) لأن يكون الراوي. لم أفهم صدقًا سبب الاختيار. فلم نلاحظ تأثير عبد الله في السرد ولا حتّى في سير الأحداث. أعتقد كان من الأفضل توكيل مَهمّة القصّ في هذا العمل للراوي العليم بدلًا من الراوي المشارك، أو ربّما لو تعدّدت أصوات السرد لكان بالطبع سيعطي العمل بُعدًا أدبيًّا وجماليًّا. العثرة الرابعة هي لغة الكاتب الجامدة التقريريّة الخالية من أيّة نفحة أدبيّة، رغم أنّ اللغة سليمة دلاليًّا ونحويًّا. لكن بالطبع لغة سليمة لا تصنع رواية ممتعة. أكثر الشخصيّات التي تفاعلتُ معها كانت شخصيّة محمّد. بناء الشخصيّة فيه الكثير من الذكاء الروائي، هذا لأنّ محمّد مرّ بالاغتراب الذاتي، وليرأب هذا الصدع اتّجه إلى عالم الثورة الخارجي، بعيدًا عن بسطال والده الثقيل. تعالج شخصيّة محمّد قضيّة المثقّف الثوري الذي ينتهي دومًا منكسرًا. هذه الشخصيّة كانت مأزومة فكريًّا فطرحت الكثير من التساؤلات عن واقع المثقف العربي في زمن الهياج والامتياج الإلكتروني والثقافي والسياسي... وحتّى الاجتماعي. رواية باقي الوشم تخلق عالمًا موازيًا لذلك المفقود لدى الكثير من جماعة البدون في الكويت. لم أستمتع بالعمل بسبب المشاكل أعلاه، لكنّني بي أن أشيد بجرأة الكاتب وقدرته على طرح الكثير من الأفكار التي نحن بحاجة للحديث عنها ومعالجتها.
حمضة السحاب ليس مجرد اسم لجدة عجوزة تنتظر فصل الربيع و لكنها رمز "للبدون" و الذين هم بين المرتبتين فلا هم مواطنين ولا هم أجانب . "باقي الوشم" عمل مكتوب بحرفية تجمع بين التراجيديا و الكوميديا حول موضوع شكل علامة استفهام بالنسبة لمن هم خارج الثقافة الكويتية موضوع "البدون" و هم فئة سكانية في الكويت لا يمتلكون أوراقا ثبوتية تضمن لهم الجنسية حيث ينقلها لنا من خلال المعيش اليومي لأسرة "حمضة" من خلال أحلام و سعي الأب "خليف" في الحصول على أوراق تضمن و تؤكد كويتية أسرته و تضمن لها بقاؤها و حقوقها في وطن يتنكر لهذه الفئة. العمل مكتوب على لسان راو مشارك و أحيانا يتحول الى راو عليم "عبد الله" أو عبودي حفيد حمضة و هو طالب حاصل على الثانوية العامة و دراسته الجامعية رهينة بتجديد الأسرة لبطائقها فعلى امتداد العطلة المدرسية نقفز زمنيا بين ماض و حاضر لنتعرف أكثر على أسرة حمضة : الأب و الأم و أبنائهما أحفاد حمضة : محمد و عبد الله و مريم و ناصر و أبناء آخرين و على محيطها المتكون من أسر تشاركهم نفس المشكل . العمل مكتوب بلغة تجمع بين الفصحى و العامية الكويتية و حتى البدوية في تناسق يتماشى مع شخصياته و مع ثيماته التي تدور حول الهوية و حول معنى الوطن . العمل و كما قلت أعلاه ينقل ألم الإحساس بالنبذ و الخوف من الغد و المستقبل المبهم و الأمل في ربيع قادم.
الرواية التي حازت على جائزة غسان كنفاني ٢٠٢٤ ♥️، بصراحة الرواية جميلة جدا” فوق الوصف ، تأثرت بها بالرغم طرح مشاكل تخص قبائل معينة في الكويت و لكنها تمس الإنسانية بشكل عام .
“نمط البيوت هذا كانوا يخططون لبناء أقفاص حيوانية ، قبل أن يحولوها في اللحظة الأخيرة إلى مساكن بشرية “ . ص٢٢ “إن هؤلاء البقية . نحن لسنا مثل البقية” . ٢٤ “يا ها المؤقت اللي ذبحتونا فيه، كل شيء مؤقت !” ص٢٦ “كان يستحيل التمييز بين الأشياء التي نحب ، و تلك التي فرضت علينا، ذلك أن الاختيار كلمة ليست من شأننا” ص٦٥ “ربيعي في الآخرة عند ربي و ربج “ ص١٤٦ “بداية الوشم؛ طويلا” يشبه رسم زهرة ، ثم تختفي الساق في عتمة جسدها. كان وشما” مغايرا” بوشوم جسدها ، و ممن رأيت من رفيقاتها” ص١٥٨
التفاصيل في الوصف ممتعة. جمال شخصية الجدة حمضة السحاب، وددت أن أحكي معها أو آراها في الحقيقة ، رسم الشخصية جاء في منتهى البراعة كوصف شكلي و مشاعرها و تصرفاتها كأنها مجسمة أراها رؤية العين .
الوشم هنا رمزيته الثبات على شيء يصعب تغييره ( كوصمة عار) ،مما لا شك فيه جزء من الثقافة بدق الوشوم و لكن قصد به عبد الله ، سوف يظل موقفهم هذا ثابت دون تغيير .
الفروقات بين عائلة حمضة و باقي الشعب كونهم مختلفين و هذا. بين في الرواية .
رمزية اسم حمضة السحاب : حمضة ؛ أتت من حمض الشيء كفاكهة فسدت بسبب مرور الأيام عليها .اسم السحاب هنا رمزيته دعوة للنظر للنجوم ، الثريا و التأمل أيضا” لحال البدون و مكانتهم ، مثلهم مثل النظر للنجوم ، مهمشين يبعد النظر عنهم و صعب تحقيق آمالهم. كون حمضة جدة هذا يدل ��ن أرتبطت معاناتهم منذ قديم الأزل مثل الأجيال متلاحقة .
الحس الساخر بيّن في الرواية ، و ذلك بين الشخصيات ؛ محمد و الهاشمية ، الأب و الابن لتخفيف آلام الأحداث و معاناه الأسرة .
وصف البيت بتفاصيله؛ ممتع جدا؛ بالنسبة لي لأني أنتمي لمدارس الوصف ، كونه يدخلني بداخل أحداث الرواية.
ظهور معاناه الأسرة مثل التعثر في الالتحاق بالمدارس، إخراج الباسبورات “جوازات السفر” و أيضا” البطاقات و هذا بيّن بقصة حمضة أنهم لا يعلموا سنها في أحداث الرواية بسبب أخذ وقت لخروج بطاقة لها .
الأسلوب شيق كأنك تشاهد مسلسل درامي لأسرة لما تتسم من تفاصيل رقيقة وطرت معاناتهم. اللغة و جمال اللغة ، ما هذا الجمال يا عبد الله “ما شاء الله” ، كلمات منتقاه لتلائم الأسلوب مع الأحداث . اللغة الكويتي العامي كانت سهلة علي و كانت مطلوبة لإخراج نطق الشخصيات و معرفتهم أكثر . كوني مصرية أستمتعت بيها جدا” و ليست صعبة .
فكرة القران و ارتباطه بالبرد يرمز للعد و انتظار، مع كل قران حمضة تنتظره ظناً منها أنه سيأتي الربيع و هو الخلاص أي انتهاء الظلم لعائلتها.
أحببت النهاية و قفلتها لكونها مليئة بالرموز بالرغم من كونها مؤلمة.
لا ربيع مثلما لا صيف! ببيت مدخله بلا عتبة وسط بيوت متشابهة، وامرأة سبعينية-سيئة الحظ- يهب عليها البرد من كل ناحية، يسرد الكاتب الشاب عبد الله الحسيني في ثاني عمل روائي له حكاية مؤلمة مستلة من الواقع بمهارة شديدة. " نقول عكس ما في أوراقنا، أوراقنا تكتب عكس ما نقول، الجميع يقول رأيه بنا" رغم الأعمال التي كتبت عن "البدون" إلا أن رواية الحسيني تقدم رؤية متماسكة وغير مغلوطة عن الواقع، متخففة من ثقل البكائيات والرغبة في البوح، متمسكة بالإطار الفني لصنع رواية جيدة ونص سهل التلقي بعيدا عن الغموض والتعقيد المسار الروائي الواضح في "باقي الوشم" عن مصائر أناس بعيدين عن أسوار "المجتمع السعيد" مهمشين معنويا واقتصاديا جيلا بعد جيل، بينما المسار الآخر الأقل وضوحا عن فترة الشيخوخة والخوف من ممحاة الذكريات وترقب الموت عبر شخصية الجدة "حمضة السحاب" بنت شيخ العشيرة، ومتابعة حاضرها المؤثث بمدفأة وشال وترقب ربيع لن يأتي. الأم التي دفنت ابنتها "وضحة" في ثلوج الغربة، ترقب فقدانها التدريجي لابنها "خليف عجيل" رب العائلة الذي يرعاها والذي يبدو أنه سينهار في أية لحظة. العجوز التي تنظر للغد بتوجس وبمشاعر متذبذبة، متظاهرة بالتماسك، عبر الحسيني عن شيخوختها وتجاعيدها وأثوابها وأحلامها البعيدة بشكل فذ اذكر كم كنت مندهشة بعد قراءة رواية الحسيني الأولى "لو تغمض عينيك" من قدرته على تناول هموم الواقع بعين العارف. والآن بعد خطوته المهمة في "باقي الوشم" أدرك أن الحسيني يشق مساره الروائي بعيدا عن سيرك الأدب الرديء وضجيج التفاهة، وسيجد عمله ما يستحقه من الاحتفاء والتقدير. فثمة ربيع سيجيئ.... وثمة كتابة نفخر بها جميعا
ملف البدون الشائك المضني تفتحه ملفات القصص وتعجز عن فك مغاليقه الحكومة. ماذا يعني الانتماء وذلك الحق الذي الذي يُنتقص من أفراد لهم نسب ولغة واحدة مشتركة … لعبوا في نفس الحي العابه الشعبية وأكلوا وشربوا وجاوروا مواطنيه الذي لا يمكن ان تفرق فيه بينهم في لهجة وسحنة وثقافة مع ذلك تجردوا من أدنى حقوق للهوية وملحقاتها التي تمنح.
هذه الرواية رائعة. في #باقي_الوشم يلج عبدالله الحسيني مساحة ممتلئة بالفخاخ التي قد تحيل العمل الروائي إلى التقليدية في الطرح لكن وببراعة معتادة منه استطاع أن يقدّم عملاً يطرح قضية الكويتيين البدون من زوايا مختلفة تحمل العديد من الإسقاطات. من خلال حكايا حمضة السحّاب وترقّبها للربيع المنتظر منذ ٧٠ عاماً وعائلتها المركونة على هامش الحياة يكتب عبدالله الحسيني الوجه القاسي لمعنى أن تكون بدوناً في هذا الجحيم، تفاصيل الحياة اليوميّة لعائلة من البدون وتعاملها الروتيني مع أزمة الهويّة والتعريف والبطاقة والقيود الأمنية والعمل والحرمان و��لطموح والانكسار واليأس والترقّب، كل ذلك في شخصيات عائلة خليف عجيل، ابن حمضة السحّاب. كتب الحسيني هذا العمل وقد وضع في الحسبان جوانب عميقة في طرح التفاصيل المعقدة للقضية من الداخل، على رأسها امتدادات الجذور وتنوعها وكيف يتم التعامل معها، ما بين حمضة السحّاب وجذورها التي تنتمي إلى إحدى العشائر الشمالية الممتدة إلى العراق وهويّتها التي لم تستطع تغييرها سواء كان باللهجة أو بالملامح التي يشكّل منها الوشم "الدق" تاريخاً منقوشاً لا يمكن محوه ولا تجاهله، ذلك التاريخ الذي تستعر منه حفيدتها "الهايشة" وتراه سبباً في وضعهم الاجتماعي المعقّد، ويراه محمد بأنه غير مجبر أن يدّعي أصولاً غير أصوله ولا لهجةً غير لهجته كي يتقبّله المجتمع، وتعامل هذه العائلة مع الواقع المُعاش والصمود أمامه، ولحظات الترقّب لمستقبل كل ما فيه غامض ومبهم. ما أعجبني في #باقي_الوشم أنه عمل كُتب بحرفيّة عالية، بعيداً عن طرح المآسي بشكلها المباشر، وأكثر غرقاً في الواقع المُعاش وتفاصيله المعقدّة، تتنقّل مشاعرك مع الشخوص بشكلٍ يشبه القفزات المفاجئة بين الحزن والفرح، ومحاولاتهم الصمود أمام الانهيار القاتل، والتغلب "عبثاً" عليه. ولذلك، كُل ما يحتاجه الكاتب لكي يصل ما يكتبه إلى القارئ أن يكتبه بعناية تجعل القارئ يتساءل: كيف يُمكن أن تُكتب كل هذه التفاصيل المعقدة بهذا الشكل السلس! شكراً عبدالله الحسيني عمل جميل ويستحق القراءة
لم أقرأ عملاً بمثل هذا الإيقاع البطيء من قبل، حيث أن هذا الإيقاع شوّه الأفكار المطروحة رغم أهميتها، كما أن لغته كانت جامدة وخالية من الحس الفني والأدبي! النجمتان لفكرة العمل فقط!
تجمعت الدموع في عيني من شدة التأثر حين انتهيت من قراءة الكتاب، رواية رائعة كما توقعت. . احيانا كل ما نحتاج ان نقرأ رواية لندرك مايدور حولنا دون أن نصدر أحكام واتهامات باطلة. . تتناول رواية باقي الوشم عائلة من البدون في الكويت. سطر بكل ذكاء وموهبة معاناتهم بصدق مبهر ولغة تخص كل شخصية بدت أقرب للحقيقة.
لا أود أن أغوص في تفاصيل الشخصيات لكي لا احرق أحداث الرواية واك��في بأن أنصح بها للكل.
انتهت وما انتهت.. هي إحدى النصوص التي تباغتكَ وقتما تقرأ، تمدُّ جذورها، خلسةً، في مخيلتك؛ لتشاركها الحدوتة. تنسى زمكانك، إذ ما اكتفت الروائي أبدًا بأن تقرأ نصّه متفرجًا. وصلتني أصوات الشخصيات بدلاً من قراءتها حوارًا.. حمضة ومريم ومحمد وخليف وناصر وعبّود.. الأخير الذي حكاهم، وفقَ قانون سرده، رشيق الانتقالات الزمنية، يأخذك كيفما شاء في دفق حكايته.. عرض قضيته بتفاصيلها الموجعة، بكوميديا سوداء تدخلكَ أحيانًا في (نوبة بكاء) ضحكًا! لا أنصحُ بقراءتها في الأماكن العامة! إذ بدوتُ كالمخبول وأنا أقرأ ردّة فعل مريم في الصفحة ٥٧، ضحكت حتى سقط الكتاب، وضاعت الصفحة، وضعت معهم هناك حيث الحدث، والناس من حولي لا يدرون سبب نوبة الجنون الذي دخل بها هذا الغريب.. الذي من فرط ضحكه ما استطاع رفع الكتاب من الأرض.. ولم يعرفوا بأي صفحة ضاعت مخيلتي وقتها.. حمضة السحاب، وقصتها مع النجوم في حد ذاتها حكاية! تقاطعتْ، بدهاء سردي، مع أحداث الحدوتة.. وعلى قدر إنذهالي بالنصّ، ما أقول إلا: الله يسامحك يا عبدالله
أدين، في بداية هذه القراءة، باعتذار لمحمد العتابي. يسهل امتطاء القضايا العادلة، وتسهل الإشارة لمواطن الظلم (وأقول "الإشارة" وليس "محاربة")، لكن الصعب أن تأتي بكل ما هو سهل وداني القطاف وتشير إلى الصعب وتطلب لفت النظر إليه - بل والاستحقاق بناء عليه -، فالحسيني قد كتب اليومي في العمر بطوله، وعن انتظار الحياة وسط عيش مبتسر ثمنه "ورق"، وضفّر ما بين الألم المتجاوز والأمل الأقرب إلى العناد، في لغة هي من السبك بمكان، والسبك هنا لا يوحي بالعلوّ ضرورة بل بالتعالق ما بين الكلمة والمحيط. سعيد بالأدب الكويتي المعاصر، وأرجو أن يبقى هكذا.
اللغة الموجودة هنا تدلّ على شخصٍ يعرف جيّدًا تأثير اللغة ونوعها على طبيعة العمل الأدبي، لكنّ مشكلتي مع الحكاية نفسها التي تحتاج إلى عمودٍ أقوى كي تستند عليه.
كل النجوم لحمضة السحّاب وعبدالله الحسيني، لهذه الالتقاطات النادرة في الواقع المحلي للمهمشين والمنفيين المعاندين بخبرة الصحراء وأدلة السماء. وكل من ينتظرون فرجاً ما، دفئاً ما، ربيعاً ما، ويفتشون عن أدلته في السماء وأخبار المنجمين وعناوين الصحف، سيجدون لهم ضلعاً مرتجفاً في هذه الرواية المتصلة بهم كحبل عقل به بعير يتوق للسفر.
في البداية لا أنكر أن السبب الأول الذي دفعني لاختيار الكتاب كان اسمه الغريب وغلافه اللافت.. ولكن حينما بدأت بقراءة الرواية..أيقنت أنني أحمل بين يدي كتاب سيحفر في قلبي لنفسه مكانة.. عشت في ثنايا الكتاب وبنيت من صفحاته لنفسي بيتاً.. اتخذت من (حمضة السحاب) جدةً ومن بطل الرواية أخاً.. وبنفس الوقت كنت مثل صفائح الشينكو التي أحاطت أسرة عبدالله..أُبصر بصمت لمعاناة كل شخص منهم ولا أستطيع تحريك ساكن..! رسم الكاتب بسرده الأخَّاذ صوراً لأشكال القمع السياسي والعذاب الذي ينتج عنه ومن خلال قلمه المحمل بآهات السنين..استطاع عبدالله الحسيني أن يضع الواقع العويص أمام مرأى القاريء ليفتح عينيه على حياة تسودها الاضطهاد والتهميش جمال اللغة المدعم بعمق المعاني وسلاسة السرد كانت حكاية أخرى بحد ذاتها..ولهذا السبب فأنا أجزم أن عبدالله الحسيني سيترك بصمة مميزة في مجال الأدب.. لكل شخص غارق في بحر من الإنكار عن واقع الآلاف من عديمي الجنسية..أنصحكم بقراءة باقي الوشم لتبصروا ما غاب عن أعينكم وخُتم على قلوبكم
نقلا عن الكاتب عبدالله الغذّامي عن موضوع الربيع لدى عرب الصحراء و منطقته ( الربيع ليس فصلا من فصول السنة و لكنه علامة متحولة مرتحلة . فإذا نزل المطر و أخصبت الأرض فهذا ربيع و إذا لم يأت المطر و أجدبت الأرض فهذا ما يسمى بالدهر ، أي الجفاف . و لذا تراهم يقولون : هذة السنة جاءنا ربيع . أو يقولون إننا لم نر الربيع منذ خمس س��وا�� . )
حين قرأت هذة الكلمات فهمت الخلفية الثقافية لكلمة الربيع لدى شعوب الصحراء، فالكاتب لم يخترع مصطلح الربيع و لم يجعل انتظاره من الجدة خياليا رمزيا كما يبدو لنا البعيدين عن مصطلحات هذة الثقافة .
موضوع البدون ، و الكاتب جعل شخصياته أقرب للحقيقة ، لأول مرة ربما تشعر بكاتب كويتي يتكلم عن البدون بشخصيات تشعر انها حية و فقر حقيقي و تفاصيل كثيرة تؤكد الواقع .
شعرت ان الكاتب مستعجل أو حذف الكثير ربما
اختيار الجدة و موضوع الوشم اختيار موفق و جديد علينا ، فكرة الوشم في الخليج و كراهية الأجيال الحديدة له .
اللغة كانت بالنسبة لي هي المشكلة . كأن الكاتب دخل مسابقة الألف فاصلة و فاصلة . كل الجملة مفصولة حتى فصلتني . كأنه موضوع تعبير طالب مجتهد أو قصة مسابقة تعتني بالشروط الشكلية كثيرا
بين كل كلمة و كلمة فاصلة و احيانا تشعر انها تستحق أن تكون جملة اعتراضية لا بين فاصلتين .
يعطيك ايحاء بأنه باللغة العالية ثم تجد كلمات عامية بلا تنصيص تجعلك تعيد القراءة ثانية .
التشبيهات جميلة لكنها ايضا بها خلل ما لا أدري ما هو
مثلا :
❞ تتمسمر في مكانها، متسلّية بتقليب السبحة بين يديها، إلى أن يقلب الشروق صفحة الليل. ❝
هنا المشهد جميل و الوصف عالي لكن الكلمات كلكعت التشبيه ، تتمسمر ، متسلية ،لا أدري شعرته ثقيل التركيب رغم جماله .
فمثلا كان ممكن يقول :
( خشعت أركانها فلا تسمع إلا همس مفاصل السبحة بيدها حتى يطوي الشروق صفحة الليل)
لهذا أراها رواية جيدة لمن يريد واقع كويتي مختلف عن غالبية المقروء .
*ذكرتني الجدة بالجدة الحقيقية في ( من الدراجة إلى الطائرة ) .
ورحلت حمضة السَّحاب بـ وشومها دون معطفها، دون أن يأتي الربيع المنتظر، دون أن يُكتب اسمها في قائمة وفيات الغد ودون شهادة وفاة كأن لم يكن لها وجود فهي بدون..
ترتقب الربيع منذ سبعين عاماً مثلما يرتقب ولدها خليف عجيل الجنسية الكويتية له ولأسرته بدون بطاقة أمنية ��جواز سفر يجدد سنوياً ويحدد مصير أسرة بأكملها..
مثلما تنتظر مريم شهادتها الجامعية وينتظر عبدالله سفره لدراسة الطب بالإسكندرية وبعده ناصر مثلما ينتظر محمد وظيفة يعيل بها زوجتة مثلما انتظر البدون..
يصف لنا عبدالله الحسيني أحوال سكان الشعبيات القديمة والحديثة التي تسمى الآن بـ تيماء والنعيم ممن سكن الكويت منذ قديم الزمن دون أوراق ثبوتية وجنسية فـ اختلطت أوضاع المستحق منهم حملة احصاء ١٩٦٥ وما قبل مع غير المستحق ، يومياتهم وخوفهم وترقبهم وطموحهم وانكسارهم وإحتياجاتهم لأبسط حقوقهم .
عمل مختلف، متميز يستحق القراءة . . . . . . . 30-10-2022
رواية اقرب للاثنوغرافيا عن الحياة اليومية لعائلة تفترش الهامش.. كان من السهل تخيل ملامح حمضة صيوان وتخمين رائحتها وزبونها.. تشبه كثير من جداتنا من الزمن الضائع
عمري على مشارف الثلاثين كويتية مقيمة في الكويت .. و اصطدامي الفعلي بموضوع البدون كان مرتين في حياتي حين التقيت للمرة الاولى زميل لي كافح في دراسة الطب في الصين بعد أن تعذر تعيينه ٤ سنين إلى أن جاءت الكرونا لتسحبه حاجة القطاع الصحي إلى العمل! .. بأجر ضئيل و عقد عمل ذكره الكاتب في الكتاب . و المرة الثانية حين عملت في مستشفى الجهراء مرورًا بمنطقة تيماء .. كانت المرة الاولى التي التقي فيها ببيوت الصفيح 💔 لازلت مذهولة كيف يعيش أناس دون حقوق إنسانية مشروعة .. تسحبك الرواية لعمق المأساة ، بالتفاصيل الصغيرة التي لا تراها في الندوات و لا في وسائل التواصل الاجتماعي .. من خوف مريم أن تمتد أصولها إلى خارج الكويت ، أولسنا دويلة تكونت في نشأتها من مجموعة مهاجرين ؟! .. أكثر ما آلمني أن تمضي حمضة ولا ترى الربيع .. أن ترحل عن الدنيا كأنها لم توجد بها وتتبخر ابتهالاتها و انتظارها ، كل من في الرواية كان ينتظر و يصبر .. و انتظار حمضة يشبه انتظارهم إلى حيث اللامعلو�� و إلى حيث الغد الذي يماثل سابقه ! ولا شيء يتغير! رواية مأساوية ساخرة ! وجدتها ثقيلة جدًا في المعنى و العمق و خفيفة اللغة و السياق ! سأتطلع لأعمال الحسيني القادمة 👏🏻
This entire review has been hidden because of spoilers.