الفزع من خطر مصدره خصوم أو أعداء، يشكل عاملا مستديما في سياسات الدول. وتنشأ عن مشاعر الفزع هذه حاجة إلى التجسس على الخصم، بغية التعرف على استعداداته وقدراته، واستباقا لنياته. هذا الأساس السياسي والنفسي كان التربة المناسبة لتنامي الأجهزة الأمنية ولتكاثر العيون والجواسيس".
ليست كل الحروب عبارة عن أسلحة ودمار وقتلى ودماء، هناك حروب تتم في الخفاء، خلف الظلال، وتكون نتائجها ناجعة، وقد تحطم اقتصاد دول أخرى، أو تضعف موقفها سياسيا وعسكريًا.. هذا ما تقوم به أجهزة المخابرات على مدار التاريخ، إنها تقود حربًا شرسة من نوع آخر، وهي تخدم مصالح بلادها بشكل مباشر وتعمل على الإضرار بالأعداء يرصد لنا هذا الكتاب تاريخ المخابرات من البداية في شكلها التقليدي وحتى يومنا هذا، يبدأ بالحديث عن المخابرات في العصور القديمة، ويعرض لنا الخصوم بشكلها السابق المتمثل في القوى الدينية والثورات المضادة والفصائل الثورية وغيرها. ثم ينتقل بعد ذلك للحديث عن سياسة الدول العظمى والخوف من الثورات، ويعرض لنا أجهزة المخابرات بداية من عام 1900 بشكلها الحديث، واستعمالها التكنولوجيا الجديدة، ويأخذنا في جولة للحديث عن الخصوم الأربعة في القرن العشرين: الشيوعيون، الفاشيون، الرأسماليون، العالم الثالث.
ويعرض لنا الكثير من الحروب التي نشبت بين أجهزة المخابرات الخاصة بكل واحد من هؤلاء، والكثير من العمليات السرية والنشاطات التجسسية والاختراقات العميقة، وانتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في ظل كل هذا. ويختتم بالحديث عن الإنترنت والتكنولوجيا المعاصرة ودورها في سلاح المخابرات.بشكل خفي.
This entire review has been hidden because of spoilers.
هو فعلا كتاب متميز في موضوعه...إذ أنه من النادر جدا أن نرى مؤلفات تتحدث عن أجهزة الإستخبارات وعن تاريخها...وخاصة الفترة التي غطاها هذا المؤلف الممتدة من الفراعنة وحتى عصرنا الحاضر ( اي حتى سنة 2014 سنة اصدار الكتاب) يعرض لنا المؤرخ الألماني فولفغانغ كريغر تاريخ الأجهزة المخابراتية...بإعتبار أن فعل التجسس على العدو واستخلاص المعلومات منه سرا هو فعل قديم قدم الحرب نفسها... فإعتمادا على ما توفر له من وثائق ومعلومات ، يسير بنا كريغر عبر رحلة طويلة في الكشف عن أجهزة المخابرات المعروفة وتاريخها منتقلا من العمومية في الفصول الاولى - نظرا لان المصادر التاريخية القديمة قلما تتطرق إلى دور الجواسيس والكاتب فسر ذلك - الى الخصوصية عندما تحدث بإسهاب عن الجاسوسية والتجسس في الحروب النابليونية وكيف تحولت مهنة التجسس من مجرد مهنة عادية الى جهاز بيروقراطي معقد لا غنى للدولة عنه...مستعرضا في ذلك اهم الشخصيات التاريخية التي أثرت في مجال هذا التحول الكبير لمهنة التجسس كالإنجليزي فرانسيس والسينغهام ( القرن السابع عشر) و الفرنسي جوزيف فوشيه ( خلال عصر نابليون) وغيرهما...وكذلك عندما خص بالحديث عن مخابرات الدول العظمى وهي فرنسا وبريطانيا وألمانيا ثم الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية. وخلال عرضه التاريخي للنشاط الاستخباراتي المتجه من العمومية ( التحدث بصفة عامة عن أنشطة التجسس في العصور القديمة ) الى الخصوصية ( بصفة خاصة عن الأنشطة التجسسية في العصور الحديثة واهم الأجهزة الاستخباراتية و نطاق صلاحياتها حسب قوانين الدول المتقدمة) يتحدث الكاتب بشيء من الاسهاب عن التطور التكنولوجي في وسائل الاتصال والعلوم العسكرية مؤكدا بهذا الترابط بين التطور التكنولوجي والنشاط الاستخباراتي على أن فقط الدول المتقدمة تقنيا هي التي تضمن هيمنتها وهي اللي تكون المسيطرة في المجال الاستخباراتي اي مثال البريطانيين الذين كانوا القوة العظمى خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين لا في السياسة الخارجية فقط وانما في المجال الاستخباراتي بفضل قدراتهم على فك تشفير الاتصالات اللاسلكية للعدو ( ألمانيا في الحربين العالميتين ) وكذلك كيف تفرع النشاط التجسسي ليشمل ايضا الأمن الداخلي القومي والشرطة الداخلية ( فرنسا في عهد نابليون وما بعده - ألمانيا النازية - الاتحاد السوفياتي) ثم يحملنا الكتاب إلى الحروب الاستخباراتية الخفية التي دارت وراء ستائر الحرب العالمية الثانية ثم في الحرب الباردة... ويعرض نشأة أجهزة الاستخبارات الأمريكية ( وكالة الاستخبارات المركزية CIA -وكالة الأمن القومي الأمريكية NSA ) وصراعها مع الاستخبارات السوفياتية ( تشيكا Tscheka ثم KGB لاحقا) وعكس ما تصوره لنا قصص وافلام التجسس يعرض الكاتب بعضا من اخفاقات المخابرات الغربية في حربها الخفية ضد الاتحاد السوفياتي وكذلك ايضا اخفاقات ال KGB وحوادث انشقاق العملاء . وفي الفصل ما قبل الأخير يطرح الكاتب إشكالية علاقة أجهزة الأمن والاستخبارات بالقضايا الأخلاقية اي حقوق الإنسان وخاصة الحق في الخصوصية وانتهاك الحريات الشخصية ومشيرا لأهم الحوادث التي انتهكت فيها أجهزة الاستخبارات الحريات الشخصية وفشلت في تحقيق مرادها وفي نفس الوقت سببت خسائر ونتائج كارثية وينبه ايضا إلى أن أنشطة التجسس وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية تلقى دعما من الكونغرس وكذلك جانبا لا يستهان به من الرأي العام وهذا مما يعرقل الجهود في تنظيم رقابة على أنشطة هذه الأجهزة. ويختم الكتاب بتطور النشاط المخابراتي مع ثورة التكنولوجيا والاتصالات الحديثة اي ظهور الإنترنت ويعرض لنا السيطرة الشاملة الكلية التامة لوكالة الأمن القومي الأمريكية والمخابرات المركزية الأمريكية على المعلومات التي تتحصل عليها من الإنترنت وبل وحريتها المطلقة في التجسس على الحسابات الشخصية لكل شخص في العالم تقريبا على وسائل التواصل الإجتماعي بفضل علاقة التعاون والتكامل اللامحدود بين هذه الأجهزة والشركات الأمريكية المهيمنة على شبكة الويب ويعرض لنا قضية ادوارد سنودن وتفاعل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما والحكومة الأمريكية مع هذه القضية. والتي تعكس الثقة المفرطة بل والتعجرف الأمريكي في بسط النفوذ على المعلومات من الفضاء السايبراني (Cyber space). كتاب مهم ومهم جدا خاصة في تميز موضوعه وفرادته وأيضا لان الكتاب لا يزال نوعا ما جديدا وبالتالي فهو متفاعل مع قضية سنودن التي لاتزال جارية حتى الآن.
تاريخ المخابرات هو العدد رقم ٤٥٩ من عالم المعرفة (السلسلة الشهرية اللي بيقدمها المجلس الوطني للثقافة والفنون. والآداب بدولة الكويت ) وهو من تأليف وولفجانج كريجر وترجمة عدنان عباس علي. يبدأ الكتاب _في فصله الأول_بتعريف أجهزة المخابرات ولماذا تلجأ الدول إليها وما هي النشاطات التي تمارسها أجهزة المخابرات ؟ في الفصل الثاني بينقلنا الكاتب للمخابرات في العصور القديمة . طبعا بيبدأ بمصر في عصر الفراعنة كأقدم حضارة وبيقول أن أي امبراطورية مترامية الأطراف زي دي لازم يكون فيها جاسوسية أو جهاز مخابرات ويسوق الكاتب أمثلة كثيرة جدا عن كيفية حصول الدولة عن معلومات تخص المتمردين على النظام أو الدول المعادية وطبعا بيتكلم الكاتب عن الفرس ثم الرومان اللي كانوا تقريبا بلا مخابرات وكل نظم الجاسوسية أخذوها من المصريين تقريبا ثم الفينيقيين الأكثر تطورا في الجاسوسية في الوقت ده ثم المخابرات في فترة الفتوحات الإسلامية ويختم الفصل بجنكيز خان والمخابرات في المؤلفات الدينية والسياسية . في الفصل الثالث بنشوف المخابرات في الدولة الحديثة نسبيا (فترة القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ) وازاي القوى العظمى في الوقت ده كانت بتحصل على معلومات وتحافظ على الأمن القومي ونوعية الناس اللي كان بيتم تجنيدهموأول جهاز مخابرات رسمي في فرنسا والمخابرات في وقت الثورة الأمريكية وفِي عصر نابليون بونابارت (فصل طويل جدا وموضوعاته متنوعة ) في الفصول الرابع والخامس ناقش الكتاب سياسة الدول العظمى والفزع من الثورة ثم العلاقة بين المخابرات ومبتكرات التكنولوجيا الحديثة ،ثم أعقبهما الكاتب بفصلين للحديث عن دور المخابرات والجاسوسية في الحربين العالميتين وفِي الآخر الخيانات والمخابرات والإنترنت وفترة الحرب الباردة . الكتاب به كم هائل من المعلومات والتواريخ وفِي الخطة أني أقرأه مرة ثانية طبعا وأقدر أقول عليه مفاجأة ٢٠١٨ ويقع الكتاب في ٥٣٩ صفحة
تقييمي النهائي هو ١٠/١٠ ❤️❤️❤️ ودي أول درجة نهائية بعطيها لكتاب من بعد مقدمة ابن خلدون وأنا مرتاح الضمير
كتاب صدر باللغة الألمانية، ترجمة عنوانه: "تاريخ المخابرات من الفراعنة حتى وكالة الأمن القومي (NSA).
فضلاً الإحاطة بأن مقالي التالي للتعريف بالكتاب، مبنيٌّ على قراءتي للترجمة العربية التي نُشرت في دولة الكويت، خلال شهر إبريل عام 2018، ضمن سلسلة عالم المعرفة، التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وكذلك على بحثي عن تفاصيل بعض الأحداث التي وردت في الكتاب، خاصة تلك المنسوبة للقرنين السابقين، وقد قمت أيضاً بتقصٍ لبعض المعلومات عن المؤلف، وكذلك التقصي عن طبعات الكتاب الأصلي التي صدرت بلغتين هما الألمانية والفرنسية، والتي لم تتم ترجمة أياً منهما إلى اللغة الانجليزية !
آمل ملاحظة أن التقييم بثلاثة نجوم من خمسة، هو فقط للترجمة العربية التي قرأتها، ويأتي هذا التقييم المنخفض نسبياً على الرغم من الجهد الكبير من المترجم والتضحية المادية من الناشر، وذلك لسبب افتقاد الترجمة لأحد الأجزاء الأربعة من الفصل السادس، وهي ملاحظة لن تخفى على أي قارئ.
يتضمن آخر فصول الكتاب، أي الفصل العاشر، عرضاً موجزاً للعلاقة بين أجهزة المخابرات، والهجمات على الإنترنت، وفي رأيي أنه أجمل فصول الكتاب وأسهلها قراءةً، وأكثرها التصاقا بحياتنا المعاصرة.
هذا وقد خرجت من الكتاب بالإحساس بالأهمية القصوى لعمل أجهزة المخابرات بكفاءة، وكذلك بأهمية متابعة عملها ورقابته للتأكد من تلك الكفاءة، وكل ذلك للحفاظ على الأوطان وعلى الأرواح، ولتلافي التورط في حروب بغير سبب وجيه عدا نقص المعلومات عن نيات الأطراف الأخرى، وبالتالي إساءة الظن بها. .....................................................................
التعريف بالكتاب:-
يشكل الفزع من خطرٍ مصدره خصومٌ أو أعداء، عاملاً مستديماً في سياسات الدول، وتنشأ عن مشاعر الفزع هذه، حاجةٌ إلى التجسس على الخصوم، وذلك بغية التعرف على استعداداتهم وقدراتهم، واستباقاً لنياتهم، ويمثل ذلك كله، الأساس السياسي والنفسي، والتربة المناسبة لتنامي وازدياد الأجهزة الأمنية، وبالتالي لتكاثر العيون والجواسيس التي تخدم مصالح أوطانها بالعمل على إلحاق الضرر بالأعداء وذلك بأن تدعم حروباً مستترة، تؤدي إلى إضعاف موقف الأعداء اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.
يتناول الكتاب بعمق واختصار، مع التركيز على بعض مناطق ودول العالم الغير عربي - تاريخ هذه "الخدمة السرية" على مدار 4000 عاماً، بدايةً من شكلها التقليدي البسيط، ووصولاً إلى شكلها الحديث المعتمد كثيراً على التكنولوجيا الجديدة، وفيما يلي تعريفٌ بهذا الكتاب الذي صدرت طبعته الثالثة بتاريخ 12 سبتمبر 2014، وكان ذلك باللغة الأم للمؤلف، أي اللغة الألمانية .. علما بأن الطبعة المذكورة تتضمن 362 صفحة، متضمنةً فصلاً إضافيّاً لم تتناوله الطبعتين السابقتين من الكتاب، وهو لاستعراض الهجمات والحروب التي تتم عبر "الشبكة العنكبوتية"، الإنترنت، ومتضمنةً كذلك قائمةً بمراجع رئيسية منتقاة بعناية لترشد القارئ المتخصص الراغب في التعمق في تفاصيل الموضوع وعلومه، وكل ذلك يُحمد للمؤلف حيث أنه من البديهي أن العثور على المعلومات التي وردت بكتابه، يتطلب جهوداً كبيرة، خاصةً من ناحية الحاجة للتنقيب في المراجع التاريخية النادرة، للعثور على إشارات مستترة، والقراءة بين السطور.
العملاء السريون، تقنيات الترميز أو التشفير، التسلل، غسيل المخ، التلاعب، الانتكاسات التي تُفاجأ بها الدول والحضارات، التجسس .. كل هذه ممارسات قديمة قدم البشرية، وقد ورد ذكرها في بعض "الكتب المقدسة"، وفي الفلسفات الروحية، وكذلك في الكتاب الذي اُصطلح على تسميته بكتاب/ "فن الحرب"، الذي ألفه قبل ألفي عام، العسكري العبقري الصيني/ سون - تزو؛ وعنوانه الأصلي "بنج- فا"، (أو الاستراتيجية العسكرية لسون تزو)، والذي يعد واحداً من أهم المخطوطات القديمة حول هذا الموضوع في تاريخ العالم كله، وذلك لبقاء معظم ما جاء فيه من مبادئ حربية، صالحاً للتطبيق حتى يومنا هذا.
يستعرض كتاب/ "تاريخ المخابرات"، استعراضاً لهذه الخدمات السرية التي كانت ولا زالت تُمارس في الخفاء منذ العصور القديمة وحتى أيامنا هذه، ويعرض الكتاب عدة صراعات نشبت بين أجهزة مخابرات، مع إيراد بعض العمليات السرية والنشاطات التجسسية، وكذلك لبعض الاختراقات العميقة وانتهاكاتٍ لحقوق الإنسان وقعت في ظل ذلك؛
وبالكتاب مفاجآتٍ منها ان ما نطلق عليه اليوم بأن "للجدران آذان"، وكذلك أن الاغتيالات السياسية للمعارضين، ولمن يُشتبه في خطورتهم على الأنظمة الحاكمة - ممارساتٌ تعود إلى أكثر من 2500 سنة وذلك في حضارات وأمبراطوريات ورد ذكرها في هذا الكتاب؛
ومن مفاجآت الكتاب، أن مؤسس دولة المغول/ جنكيز خان، كان على اطلاع جيد جداً بمسائل الحكم المعقدة والصراعات الدائرة في الدول الإسلامية والمسيحية، وأن النشاط الاستخباراتي كان عاملاً جوهرياً في تحقيق التوسع المغولي؛ ومن تلك المفاجآت أن التخريب والإشاعات وزعزعة استقرار الخصم، والكثير من غير هذه الحيل، كانت مما لجأ إليها القادة قديماً، ومنهم: الإسكندر الأكبر، ويوليوس قيصر، وجنكيز خان، وويليام الفاتح، وزعماء آخرون سابقون، برعوا في فن التمويه ونشر الأخبار المزيفة؛
ويتبني الكتاب وجهة النظر بأن الحرب كانت منذ عهد الفراعنة، هي المجال المميز لأجهزة المخابرات؛ وكذلك بأن الصراع بين الرومان والفينيقيين، قد أدى إلى حشد مئات العملاء السريين؛ وكذلك أن "القسطنطينية التي حاصرها العرب، كانت عشّاً للجواسيس"، وجاءت هذه الإفادة مرسلةً وغامضة، حيث لم يوضح الكتاب الحصار المقصود، علما بأن المسلمين قد حاصروا القسطنطينية، (اسطنبول حالياً)، 12 مرة كانت أولاها عام 674 وقت خلافة معاوية بن أبي سفيان، وآخرها إبان سقوطها بين أيدي المسلمين عام 1453 على يد السلطان محمد الفاتح.
هذا ويتبنى الكتاب وجهة النظر القائلة بأنه، وبعد مضي عدة قرون على تلك الممارسات الموغلة في القِدم، فقد سعت أجهزة الاستخبارات المشهورة، مثل "KGB" و "CIA" و "Stasi" و "Mossad"; أي أجهزة المخابرات الروسية والأمريكية والألمانية الشرقية، والإسرائيلية، وبالتالي غيرها من وكالات الاستخبارات - لتعمل فقط على تحسين تلك الممارسات، وتطبيقها بوسائل أكثر فاعلية واحترافية بما يتماشى والتقدم التقني والاجتماعي، وكذلك فإن هذا الكتاب يشير لوجهة النظر القائلة بأنه ربما كان بالإمكان انتصار هتلر على الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، لولا براعة أجهزة المخابرات بعض دول الحلفاء، وجاءت هذه الإفادة مرسلةً بدون أي توضيح، ومختصرةً أيضاً.
يستعرض المؤلف وهو مؤرخ متخصص في هذا المجال، "وولفانج ��ريجر"، بدقة وموهبة، هذه الصورة البانورامية التي يُقال بأنها غير مسبوقة، متناولاً أنشطة الجاسوسية من عدة حضارات أو بلدان، وذلك على مدار 40 قرناً، مع التوضيح في مقدمة الكتاب بأنه قد اضطر لصرف النظر في بحثه عن دول بل وحتى أقاليم مهمة في عالم اليوم، وكذلك أنه لم يقم في كتابه بالبحث المتعمق في مجالات أجهزة الأمن الداخلي، مبررا ذلك بأن الخوض في الترابط القائم بين اختصاصات تلك الأجهزة، واختصاصات كلاً من أجهزة الشرطة والقضاء - سيُفضي إلى متاهات لا يمكن تذليلها؛ كما أوضح المؤلف في مقدمة كتابه بأنه قد ركز فيه على بعض العمليات المخابراتية الدائرة في دول حديثة، وذلك تناول عمليات التجسس التي دارت في الدول والأمبراطوريات التي سبقت نشأة الدول الحديثة، ومع عدم التركيز بشكل خاص على الأسماء المشهورة والقصص المثيرة في تاريخ التجسس، ولكن على مسائل هامة ذات نفع أكبر لتعميق الإلمام بعمل أجهزة المخابرات عبر التاريخ.
كما أشار المؤلف في مقدمة كتابه بأن الباحثين في دراسات تاريخ المخابرات، قد بدءوا منذ سبعينيات القرن العشرين، يطورون رؤيةً جديدةً في دراستهم لهذا التاريخ، وكان ذلك لأن شروط البحث في هذا الموضوع قد تحسنت بشكل ملحوظ بعد نهاية "الحرب الباردة"، وقيام الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الأخرى التي أوردها المؤلف في كتابه - بإتاحة أجزاء من إرشيف مخابرات بلدانهم للباحثين، وذلك علاوة على الصين، بل وحتى روسيا فقط في عهد رئيسها السابق/ بوريس يلتسين، وليس قبل ذلك ولا بعده. .....................................................................
التقاطات مثيرةٌ من الكتاب، علماً بأني تجنبت ذكر أسماء الدول المعنية أو التفاصيل الهامة، وذلك للتشجيع على قراءة الكتاب مع الإبقاء على المتعة والمفاجأة عند قراءته، ولإبقاء هذه المراجعة لتكون"Spoilers Free Review":-
* يستعرض الكتاب أهم الخلفيات التاريخية لإنشاء وظيفة "الملحق العسكري في سفارات الدول"، وتطور طبيعة مهامها.
* يذكر الكتاب بشيء من التفصيل قصة الدولة الكبرى التي قامت، بعد تعرضها لهزائم عسكرية متعددة، بإعدام أعدادٍ غفيرةٍ من ضباطها بتهمة التجسس عليها - وكان ذلك فقط لأن أسماء أولئك الضباط لم تكن أصيلة في مجتمعها أو منتشرةً فيه، وذلك مع إغفال الحقيقة بأن الخلل كان في ضعف تنظيم تلك الدولة لمخابراتها الحربية، رغم إغداق الإنفاق على ذلك الجهاز.
* يتناول الكتاب أحداث ما أطلق عليه مؤلفه: أشهر قضية خيانة مخابراتية شهدها مطلع القرن العشرين، والتي حصلت عام 1913، من شخصية قيادية عليا في جهاز مخابرات أحد الأمبراطوريات الأوروبية، وما اتضح لاحقاً أن سبب تلك الخيانة كان الجشع المادي علاوة على الشعور بالإهانة حينما تأخرت ترقية صاحبها إلى رتبةٍ عسكريةٍ أعلى، وأن تلك الفضيحة كانت من الضخامة إلى درجة اضطرار جهاز مخابرات تلك الأمبراطورية بالتضحية بالعقيد الذي تولى التوثيق لإثبات تلك الخيانة، وكذلك لاضطرار تلك الأمبراطورية لتشييع جثمان الضابط الخائن بشكلٍ يناسب رتبته العسكرية، وكان ذلك إيغالاً في التمويه على تلك الفضيحة الكبرى التي وصلت تفاصيلها إلى إمبراطور تلك الدولة، بل وحتى إلى ولي عهده.
* أورد الكتاب تحت العنوان الفرعي: "وطني غيور يتعرض لمؤامرة بشعة"، قصة حصلت عام 1894، لمؤامرة جهاز مخابرات إحدى الجمهوريات الأوروبية، على أحد ضباطه (رائد في جهاز الأركان العامة في نلك الدولة)، مما أدى للحكم على ذلك الضابط ظلماً وعدواناً، بتهمة التجسس لمصلحة ألمانيا، وما ثبت بعد 12 عاماً من براءته ورد الاعتبار إليه، وكانت تلك البراءة على الرغم من تجاهل وزير دفاع تلك الدولة لمؤشرات البراءة، بل وسجن الضابط الذي أثار موضوع البراءة، بتهمة إفشاء أسرار الدولة .. وكذلك بغرامة نقدية على الصحفي الذي تبنى الموضوع وسجنه عاماً كاملاً؛ وما تم في عام 1906، من إعادة الاعتبار لذلك الضابط البريء؛ ثم ما حصل في عام 1995، أي بعد 9 عقود، من إقرار القوات المسلحة لتلك الدولة، بأن الأمر كان مؤامرةً عسكريةً، وما تم عام 1998، أي بعد أكثر من مائة عام من ذلك الاتهام، من احتفال رئيس جمهورية تلك الدولة، بتنفيذ لوحة تذكارية تكريماً لذلك الضابط المظلوم !
* كما يورد الكتاب أسباباً صادمةً لندرة استخدام إسم "بنديكت" لتسمية المواليد في الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب نهاية الفريق اول/ بنديكت أرلوند، الذي كان يتمتع بثقة الرئيس المؤسس/ جورج واشنطن، بصفته بطلا قومياً أبلى بلاءً حسناً في معركة فاصلة جرت عام 1777، ضمن معارك استقلال أمريكا عن بريطانيا.
* يدعو الكتاب إلى التمعن في وجهة النظر القائلة بأنه ربما كان بالإمكان تفادي نشوب الحرب العالمية الأولى، في حالة لو كانت نشاطات أجهزة المخابرات في الدول المعنية آنذاك، أفضل كفاءةً وأقوى فاعلية في تزويد القوات العسكرية والهيئات الدبلوماسية بمعلومات موثقة عما كانت تضمره الدول المختلفة، وفي رأيي أن ذلك قد ينطبق على كل ما اُُصطلح بتسميته حروب وقائية أو استباقية، وقد أيد الكتاب تساؤله المذكور، بمناقشة وجهات النظر المختلفة حول أسباب نشوء الحرب العالمية الأولى، (المسببات وليس كيفية نشوب الحرب).
* خرجت من قراءة الكتاب بانطباعٍ قويٍ بأن من أسباب أفول نجم الإمبراطورية التي كانت "سيدة بحار العالم"، والتي كانت توصف ��نذاك بأنها "لا تغيب عنها الشمس"، هو تركيز قواتها المسلحة على تنفيذ مهماتٍ استعماريةٍ في المقام الأول، وكون ذلك على حساب اهتمامها بتطويرها لجهاز مخابراتها، وذلك في وقت كان من الضروري فيه اهتمام تلك الأمبراطورية بالتحولات العسكرية التي تحققت آنذاك في القارة الأوروبية؛ وذكر الكتاب حالةً تعامل فيها قائد أعلى للقوات المسلحة في تلك الأمبراطورية - بتجاهل متعمد وبغطرسة - مع تقارير المخابرات العسكرية لوطنه، وكانت تلك الغطرسة والتجاهل اعتماداً على إلى تجارب ذلك التي جمعها ذلك القائد مما سبق له خوضه من حروب استعمارية عديدة، وما تسببت به تلك الغطرسة والتجاهل، من خسارة أرواح الكثير من جنود تلك الأمبراطورية إبان هزيمتها في معركة مهمة جداً، وقعت في شهر ديسمبر 1899.
* استنتجت من قراءة الكتاب، من خلال أمثلة واقعية ذكر الكتاب بأنها حدثت في أوروبا خلال القرنين الفائتين، أن أجهزة المخابرات التي تعمل بكفاءة، ستؤدي بالضرورة إلى معرفة المخاطر الحقيقية على الأوطان، ونبذ المخاطر الوهمية، وفي ذلك حفاظٌ على موارد الأوطان البشرية والمالية وجهودها، وربما وصولاً إلى تل��في حروب استباقية تكون مبنيةً على مخاوف غير حقيقية.
* يوضح الكتاب الملابسات والمبررات التي استدعت بريطانيا في العام 1911، تعديل قانونها لحماية "أسرار الدولة"، ليصبح المتهم الأجنبي هو المطالب بتفنيد التهمة الموجهة إليه وإثبات براءته، أي أن البينة لم تعد هناك على من ادعى ولكن على المتهم، وسريان ذلك القانون حتى اليوم !
* يشير الكتاب لتضرر روسيا بشدة من ��لغزو الألماني لها عام 1941، (أبان الحرب العالمية الثانية)، وكون ضخامة ذلك الضرر ناتجةٌ عن تجاهل ستالين لعشرات التقارير عن توقع الهجوم الألماني، وتم توضيح ذلك التجاهل بقدر لا بأس به من التفصيل.
* ورد بالكتاب عن تضرر الولايات المتحدة الأمريكية، من الهجوم الياباني الساحق، الذي تم بتاريخ 7 ديسمبر 1941، على القاعدة البحرية الأمريكية/ "بيرل هاربر"، الواقعة في جزر الهاواي بالجزء الغربي من المحيط الهادئ، أبان الحرب العالمية الثانية، وتم توضيح التفاصيل التي تثبت أن فداحة الخسارة الأمريكية كانت شاهداً على إخفاق أجهزة المخابرات الأمريكية بنحو يكاد لا يصدقه القارئ.
* بالكتاب واقعة عن تعامل ذكي لأحد أجهزة الاستخبارات المشهورة بكشف نية دولة متحاربة معها، وتم ذلك فقط، بإرسال برقية لاسلكية واضحة غير مشفرة.
* من مفاجآت الكتاب أن الميزانية المخصصة لوكالة المخابرات المركزية بالولايات المتحدة الأمريكية "CIA"، في حدود 16% فقط من الموازنة الأمريكية المخصصة لأجهزة المخابرات، وهذا مؤشر أن تلك الوكالة ليست إلا جهازا ثانوياً في المخابرات الأمريكية. .....................................................................
ملاحظاتي على الكتاب:-
* يتناول الكتاب أحداثاً حصلت في التاريخ الموغل في القدم، وفي تاريخ العصور الوسطى، وذلك على الرغم من أن تخصص المؤلف هو التاريخ الحديث، وبالرغم من ذلك فإن الكتاب يفترض الحد الأدنى من معرفة القارئ بالتاريخ القديم، إمبراطورياته وأشخاصه، ويبدو أن نشأة ذلك الخلل بسبب توقع المؤلف أن تكون قراءة كتابه من قبل من درسوا ذلك التاريخ.
* يركز الكتاب على تاريخ أوروبا وما احتك بها من حضارات في العصر الحديث مع نقص شديد في تناول تاريخ العرب والمسلمين، وطال ذلك النقص تاريخ الأمبراطورية العثمانية التي تعرضت للكثير من الممارسات الاستخباراتية الغربية .. وفي ظني أن من أسباب ذلك النقص، قلة المراجع وندرة البحث العلمي الحيادي عنها، وأرجو ألا يكون المترجم قد ساهم في هذا النقص تلافياً لانتقاداتٍ محتملة.
*يورد الكتاب بالفصل الثامن معلوماتٍ عن "أبرز الجواسيس والخونة في حروبٍ استعرت بين مخابرات القوى العظمى"، ويلاحظ تركيز هذا الجزء على إيراد أسماء جواسيس سوفيات تجسسوا لصالح الدول الغربية، وفي ظني أن ذلك بسبب ما تمكن المؤلف الاطلاع عليه من إرشيف المخابرات الغربية التي لن تكشف إلا ما يصب في مصلحتها، وذلك علاوة على الانغلاق التام والسرية المتبعيْن في الدول الأخرى. .....................................................................
كل ما ورد في هذا المنشور للتعريف بالكتاب، غيض من فيض ولا يغني عن قراءته للفائدة وللمتعة، ويحسب للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت تكلف عناء ترجمته ونشره، رغم ما بدا لي من ندرة اهتمام جمهور القراء بهذا البحث التاريخي المتخصص الذي قد يبدو مملاً. ..................................................................
عن المؤلف "Wolfgang Krieger"، وكتابه:- وولفجانج كريجر؛ متخصص في علم الاستخبارات الدولية، أستاذ التاريخ بجامعة ماربورغ وعضو اللجنة العلمية بوزارة الدفاع الفرنسية، عضو مؤسس لحلقة تاريخ المخابرات، التي ذاع صيتها منذ العام 1993، بين الباحثين المتخصصين في ذلك العلم. "International Intelligence History Association".
وهو مؤلف كتاب آخر، كان الأكثر مبيعا في ألمانيا عام 2012، عنوانه "التاريخ السياسي لأجهزة المخابرات الفرنسية" (لا ديكوفيرتي)؛
هذا الكتاب، هو الطبعة الثالثة باللغة الألمانية، من بعد نجاح الطبعة الأولى التي بيع منها في ألمانيا حوالي 2000 نسخة ورقية، (يعد هذا عدداً كبيراً بالنسبة لكتاب بحثي يتناول موضوعاً محدداً ودقيقاً)؛ وقد صدرت بتاريخ 20 يونيو 2013 نسخة من الكتاب باللغة الفرنسية (اللغة الثانية للمؤلف)، ثم صدرت هذه الطبعة الثالثة (المزيدة)، باللغة الألمانية بتاريخ 12 سبتمبر 2014؛
ثم صدرت ترجمة باللغة العربية في شهر إبريل 2018، لطبعته الثالثة الألمانية المشار إليها، وكان ذلك بقلم عالم قدير، هو الأستاذ الدكتور/ عدنان عباس علي، المولود في العراق، عام 1948، الحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة فرانكفورت، ونشرها/ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت؛ ولم يصل إلى علمي وجود أي ترجمة عربية أخرى. .....................................................................
بالرابط المرفق، فيديو باللغة الإنجليزية، جذاب وقصير، يوضح وبالرسومات التعبيرية، نشأة ومهام جهاز المخابرات بألمانيا الشرقية "Stasi"، الوارد مسماه أعلاه، وذلك منذ نشأته عام 1950 وحتى اليوم في ظل دولة ألمانيا الموحدة.
Geschichte der Geheimdienste: Von den Pharaonen bis zur NSA
كتاب صدر باللغة الألمانية، ترجمة عنوانه: "تاريخ المخابرات من الفراعنة حتى وكالة الأمن القومي (NSA).
فضلاً الإحاطة بأن مقالي التالي للتعريف بالكتاب، مبنيٌّ على قراءتي للترجمة العربية التي نُشرت في دولة الكويت، خلال شهر إبريل عام 2018، ضمن سلسلة عالم المعرفة، التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وكذلك على بحثي عن تفاصيل بعض الأحداث التي وردت في الكتاب، خاصة تلك المنسوبة للقرنين السابقين، وقد قمت أيضاً بتقصٍ لبعض المعلومات عن المؤلف، وكذلك التقصي عن طبعات الكتاب الأصلي التي صدرت بلغتين هما الألمانية والفرنسية، والتي لم تتم ترجمة أياً منهما إلى اللغة الانجليزية !
آمل ملاحظة أن التقييم بثلاثة نجوم من خمسة، هو فقط للترجمة العربية التي قرأتها، ويأتي هذا التقييم المنخفض نسبياً على الرغم من الجهد الكبير من المترجم والتضحية المادية من الناشر، وذلك لسبب افتقاد الترجمة لأحد الأجزاء الأربعة من الفصل السادس، وهي ملاحظة لن تخفى على أي قارئ.
يتضمن آخر فصول الكتاب، أي الفصل العاشر، عرضاً موجزاً للعلاقة بين أجهزة المخابرات، والهجمات على الإنترنت، وفي رأيي أنه أجمل فصول الكتاب وأسهلها قراءةً، وأكثرها التصاقا بحياتنا المعاصرة.
هذا وقد خرجت من الكتاب بالإحساس بالأهمية القصوى لعمل أجهزة المخابرات بكفاءة، وكذلك بأهمية متابعة عملها ورقابته للتأكد من تلك الكفاءة، وكل ذلك للحفاظ على الأوطان وعلى الأرواح، ولتلافي التورط في حروب بغير سبب وجيه عدا نقص المعلومات عن نيات الأطراف الأخرى، وبالتالي إساءة الظن بها. .....................................................................
التعريف بالكتاب:-
يشكل الفزع من خطرٍ مصدره خصومٌ أو أعداء، عاملاً مستديماً في سياسات الدول، وتنشأ عن مشاعر الفزع هذه، حاجةٌ إلى التجسس على الخصوم، وذلك بغية التعرف على استعداداتهم وقدراتهم، واستباقاً لنياتهم، ويمثل ذلك كله، الأساس السياسي والنفسي، والتربة المناسبة لتنامي وازدياد الأجهزة الأمنية، وبالتالي لتكاثر العيون والجواسيس التي تخدم مصالح أوطانها بالعمل على إلحاق الضرر بالأعداء وذلك بأن تدعم حروباً مستترة، تؤدي إلى إضعاف موقف الأعداء اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.
يتناول الكتاب بعمق واختصار، مع التركيز على بعض مناطق ودول العالم الغير عربي - تاريخ هذه "الخدمة السرية" على مدار 4000 عاماً، بدايةً من شكلها التقليدي البسيط، ووصولاً إلى شكلها الحديث المعتمد كثيراً على التكنولوجيا الجديدة، وفيما يلي تعريفٌ بهذا الكتاب الذي صدرت طبعته الثالثة بتاريخ 12 سبتمبر 2014، وكان ذلك باللغة الأم للمؤلف، أي اللغة الألمانية .. علما بأن الطبعة المذكورة تتضمن 362 صفحة، متضمنةً فصلاً إضافيّاً لم تتناوله الطبعتين السابقتين من الكتاب، وهو لاستعراض الهجمات والحروب التي تتم عبر "الشبكة العنكبوتية"، الإنترنت، ومتضمنةً كذلك قائمةً بمراجع رئيسية منتقاة بعناية لترشد القارئ المتخصص الراغب في التعمق في تفاصيل الموضوع وعلومه، وكل ذلك يُحمد للمؤلف حيث أنه من البديهي أن العثور على المعلومات التي وردت بكتابه، يتطلب جهوداً كبيرة، خاصةً من ناحية الحاجة للتنقيب في المراجع التاريخية النادرة، للعثور على إشارات مستترة، والقراءة بين السطور.
العملاء السريون، تقنيات الترميز أو التشفير، التسلل، غسيل المخ، التلاعب، الانتكاسات التي تُفاجأ بها الدول والحضارات، التجسس .. كل هذه ممارسات قديمة قدم البشرية، وقد ورد ذكرها في بعض "الكتب المقدسة"، وفي الفلسفات الروحية، وكذلك في الكتاب الذي اُصطلح على تسميته بكتاب/ "فن الحرب"، الذي ألفه قبل ألفي عام، العسكري العبقري الصيني/ سون - تزو؛ وعنوانه الأصلي "بنج- فا"، (أو الاستراتيجية العسكرية لسون تزو)، والذي يعد واحداً من أهم المخطوطات القديمة حول هذا الموضوع في تاريخ العالم كله، وذلك لبقاء معظم ما جاء فيه من مبادئ حربية، صالحاً للتطبيق حتى ��ومنا هذا.
يستعرض كتاب/ "تاريخ المخابرات"، استعراضاً لهذه الخدمات السرية التي كانت ولا زالت تُمارس في الخفاء منذ العصور القديمة وحتى أيامنا هذه، ويعرض الكتاب عدة صراعات نشبت بين أجهزة مخابرات، مع إيراد بعض العمليات السرية والنشاطات التجسسية، وكذلك لبعض الاختراقات العميقة وانتهاكاتٍ لحقوق الإنسان وقعت في ظل ذلك؛
وبالكتاب مفاجآتٍ منها ان ما نطلق عليه اليوم بأن "للجدران آذان"، وكذلك أن الاغتيالات السياسية للمعارضين، ولمن يُشتبه في خطورتهم على الأنظمة الحاكمة - ممارساتٌ تعود إلى أكثر من 2500 سنة وذلك في حضارات وأمبراطوريات ورد ذكرها في هذا الكتاب؛
ومن مفاجآت الكتاب، أن مؤسس دولة المغول/ جنكيز خان، كان على اطلاع جيد جداً بمسائل الحكم المعقدة والصراعات الدائرة في الدول الإسلامية والمسيحية، وأن النشاط الاستخباراتي كان عاملاً جوهرياً في تحقيق التوسع المغولي؛ ومن تلك المفاجآت أن التخريب والإشاعات وزعزعة استقرار الخصم، والكثير من غير هذه الحيل، كانت مما لجأ إليها القادة قديماً، ومنهم: الإسكندر الأكبر، ويوليوس قيصر، وجنكيز خان، وويليام الفاتح، وزعماء آخرون سابقون، برعوا في فن التمويه ونشر الأخبار المزيفة؛
ويتبني الكتاب وجهة النظر بأن الحرب كانت منذ عهد الفراعنة، هي المجال المميز لأجهزة المخابرات؛ وكذلك بأن الصراع بين الرومان والفينيقيين، قد أدى إلى حشد مئات العملاء السريين؛ وكذلك أن "القسطنطينية التي حاصرها العرب، كانت عشّاً للجواسيس"، وجاءت هذه الإفادة مرسلةً وغامضة، حيث لم يوضح الكتاب الحصار المقصود، علما بأن المسلمين قد حاصروا القسطنطينية، (اسطنبول حالياً)، 12 مرة كانت أولاها عام 674 وقت خلافة معاوية بن أبي سفيان، وآخرها إبان سقوطها بين أيدي المسلمين عام 1453 على يد السلطان محمد الفاتح.
هذا ويتبنى الكتاب وجهة النظر القائلة بأنه، وبعد مضي عدة قرون على تلك الممارسات الموغلة في القِدم، فقد سعت أجهزة الاستخبارات المشهورة، مثل "KGB" و "CIA" و "Stasi" و "Mossad"; أي أجهزة المخابرات الروسية والأمريكية والألمانية الشرقية، والإسرائيلية، وبالتالي غيرها من وكالات الاستخبارات - لتعمل فقط على تحسين تلك الممارسات، وتطبيقها بوسائل أكثر فاعلية واحترافية بما يتماشى والتقدم التقني والاجتماعي، وكذلك فإن هذا الكتاب يشير لوجهة النظر القائلة بأنه ربما كان بالإمكان انتصار هتلر على الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، لولا براعة أجهزة المخابرات بعض دول الحلفاء، وجاءت هذه الإفادة مرسلةً بدون أي توضيح، ومختصرةً أيضاً.
يستعرض المؤلف وهو مؤرخ متخصص في هذا المجال، "وولفانج كريجر"، بدقة وموهبة، هذه الصورة البانورامية التي يُقال بأنها غير مسبوقة، متناولاً أنشطة الجاسوسية من عدة حضارات أو بلدان، وذلك على مدار 40 قرناً، مع التوضيح في مقدمة الكتاب بأنه قد اضطر لصرف النظر في بحثه عن دول بل وحتى أقاليم مهمة في عالم اليوم، وكذلك أنه لم يقم في كتابه بالبحث المتعمق في مجالات أجهزة الأمن الداخلي، مبررا ذلك بأن الخوض في الترابط القائم بين اختصاصات تلك الأجهزة، واختصاصات كلاً من أجهزة الشرطة والقضاء - سيُفضي إلى متاهات لا يمكن تذليلها؛ كما أوضح المؤلف في مقدمة كتابه بأنه قد ركز فيه على بعض العمليات المخابراتية الدائرة في دول حديثة، وذلك تناول عمليات التجسس التي دارت في الدول والأمبراطوريات التي سبقت نشأة الدول الحديثة، ومع عدم التركيز بشكل خاص على الأسماء المشهورة والقصص المثيرة في تاريخ التجسس، ولكن على مسائل هامة ذات نفع أكبر لتعميق الإلمام بعمل أجهزة المخابرات عبر التاريخ.
كما أشار المؤلف في مقدمة كتابه بأن الباحثين في دراسات تاريخ المخابرات، قد بدءوا منذ سبعينيات القرن العشرين، يطورون رؤيةً جديدةً في دراستهم لهذا التاريخ، وكان ذلك لأن شروط البحث في هذا الموضوع قد تحسنت بشكل ملحوظ بعد نهاية "الحرب الباردة"، وقيام الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الأخرى التي أوردها المؤلف في كتابه - بإتاحة أجزاء من إرشيف مخابرات بلدانهم للباحثين، وذلك علاوة على الصين، بل وحتى روسيا فقط في عهد رئيسها السابق/ بوريس يلتسين، وليس قبل ذلك ولا بعده. .....................................................................
التقاطات مثيرةٌ من الكتاب، علماً بأني تجنبت ذكر أسماء الدول المعنية أو التفاصيل الهامة، وذلك للتشجيع على قراءة الكتاب مع الإبقاء على المتعة والمفاجأة عند قراءته، ولإبقاء هذه المراجعة لتكون"Spoilers Free Review":-
* يستعرض الكتاب أهم الخلفيات التاريخية لإنشاء وظيفة "الملحق العسكري في سفارات الد��ل"، وتطور طبيعة مهامها.
* يذكر الكتاب بشيء من التفصيل قصة الدولة الكبرى التي قامت، بعد تعرضها لهزائم عسكرية متعددة، بإعدام أعدادٍ غفيرةٍ من ضباطها بتهمة التجسس عليها - وكان ذلك فقط لأن أسماء أولئك الضباط لم تكن أصيلة في مجتمعها أو منتشرةً فيه، وذلك مع إغفال الحقيقة بأن الخلل كان في ضعف تنظيم تلك الدولة لمخابراتها الحربية، رغم إغداق الإنفاق على ذلك الجهاز.
* يتناول الكتاب أحداث ما أطلق عليه مؤلفه: أشهر قضية خيانة مخابراتية شهدها مطلع القرن العشرين، والتي حصلت عام 1913، من شخصية قيادية عليا في جهاز مخابرات أحد الأمبراطوريات الأوروبية، وما اتضح لاحقاً أن سبب تلك الخيانة كان الجشع المادي علاوة على الشعور بالإهانة حينما تأخرت ترقية صاحبها إلى رتبةٍ عسكريةٍ أعلى، وأن تلك الفضيحة كانت من الضخامة إلى درجة اضطرار جهاز مخابرات تلك الأمبراطورية بالتضحية بالعقيد الذي تولى التوثيق لإثبات تلك الخيانة، وكذلك لاضطرار تلك الأمبراطورية لتشييع جثمان الضابط الخائن بشكلٍ يناسب رتبته العسكرية، وكان ذلك إيغالاً في التمويه على تلك الفضيحة الكبرى التي وصلت تفاصيلها إلى إمبراطور تلك الدولة، بل وحتى إلى ولي عهده.
* أورد الكتاب تحت العنوان الفرعي: "وطني غيور يتعرض لمؤامرة بشعة"، قصة حصلت عام 1894، لمؤامرة جهاز مخابرات إحدى الجمهوريات الأوروبية، على أحد ضباطه (رائد في جهاز الأركان العامة في نلك الدولة)، مما أدى للحكم على ذلك الضابط ظلماً وعدواناً، بتهمة التجسس لمصلحة ألمانيا، وما ثبت بعد 12 عاماً من براءته ورد الاعتبار إليه، وكانت تلك البراءة على الرغم من تجاهل وزير دفاع تلك الدولة لمؤشرات البراءة، بل وسجن الضابط الذي أثار موضوع البراءة، بتهمة إفشاء أسرار الدولة .. وكذلك بغرامة نقدية على الصحفي الذي تبنى الموضوع وسجنه عاماً كاملاً؛ وما تم في عام 1906، من إعادة الاعتبار لذلك الضابط البريء؛ ثم ما حصل في عام 1995، أي بعد 9 عقود، من إقرار القوات المسلحة لتلك الدولة، بأن الأمر كان مؤامرةً عسكريةً، وما تم عام 1998، أي بعد أكثر من مائة عام من ذلك الاتهام، من احتفال رئيس جمهورية تلك الدولة، بتنفيذ لوحة تذكارية تكريماً لذلك الضابط المظلوم !
* كما يورد الكتاب أسباباً صادمةً لندرة استخدام إسم "بنديكت" لتسمية المواليد في الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب نهاية الفريق اول/ بنديكت أرلوند، الذي كان يتمتع بثقة الرئيس المؤسس/ جورج واشنطن، بصفته بطلا قومياً أبلى بلاءً حسناً في معركة فاصلة جرت عام 1777، ضمن معارك استقلال أمريكا عن بريطانيا.
* يدعو الكتاب إلى التمعن في وجهة النظر القائلة بأنه ربما كان بالإمكان تفادي نشوب الحرب العالمية الأولى، في حالة لو كانت نشاطات أجهزة المخابرات في الدول المعنية آنذاك، أفضل كفاءةً وأقوى فاعلية في تزويد القوات العسكرية والهيئات الدبلوماسية بمعلومات موثقة عما كانت تضمره الدول المختلفة، وفي رأيي أن ذلك قد ينطبق على كل ما اُُصطلح بتسميته حروب وقائية أو استباقية، وقد أيد الكتاب تساؤله المذكور، بمناقشة وجهات النظر المختلفة حول أسباب نشوء الحرب العالمية الأولى، (المسببات وليس كيفية نشوب الحرب).
* خرجت من قراءة الكتاب بانطباعٍ قويٍ بأن من أسباب أفول نجم الإمبراطورية التي كانت "سيدة بحار العالم"، والتي كانت توصف آنذاك بأنها "لا تغيب عنها الشمس"، هو تركيز قواتها المسلحة على تنفيذ مهماتٍ استعماريةٍ في المقام الأول، وكون ذلك على حساب اهتمامها بتطويرها لجهاز مخابراتها، وذلك في وقت كان من الضروري فيه اهتمام تلك الأمبراطورية بالتحولات العسكرية التي تحققت آنذاك في القارة الأوروبية؛ وذكر الكتاب حالةً تعامل فيها قائد أعلى للقوات المسلحة في تلك الأمبراطورية - بتجاهل متعمد وبغطرسة - مع تقارير المخابرات العسكرية لوطنه، وكانت تلك الغطرسة والتجاهل اعتماداً على إلى تجارب ذلك التي جمعها ذلك القائد مما سبق له خوضه من حروب استعمارية عديدة، وما تسببت به تلك الغطرسة والتجاهل، من خسارة أرواح الكثير من جنود تلك الأمبراطورية إبان هزيمتها في معركة مهمة جداً، وقعت في شهر ديسمبر 1899.
* استنتجت من قراءة الكتاب، من خلال أمثلة واقعية ذكر الكتاب بأنها حدثت في أوروبا خلال القرنين الفائتين، أن أجهزة المخابرات التي تعمل بكفاءة، ستؤدي بالضرورة إلى معرفة المخاطر الحقيقية على الأوطان، ونبذ المخاطر الوهمية، وفي ذلك حفاظٌ على موارد الأوطان البشرية والمالية وجهودها، وربما وصولاً إلى تلافي حروب استباقية تكون مبنيةً على مخاوف غير حقيقية.
* يوضح الكتاب الملابسات والمبررات التي استدعت بريطانيا في العام 1911، تعديل قانونها لحماية "أسرار الدولة"، ليصبح المتهم الأجنبي هو المطالب بتفنيد التهمة الموجهة إليه وإثبات براءته، أي أن البينة لم تعد هناك على من ادعى ولكن على المتهم، وسريان ذلك القانون حتى اليوم !
* يشير الكتاب لتضرر روسيا بشدة من الغزو الألماني لها عام 1941، (أبان الحرب العالمية الثانية)، وكون ضخامة ذلك الضرر ناتجةٌ عن تجاهل ستالين لعشرات التقارير عن توقع الهجوم الألماني، وتم توضيح ذلك التجاهل بقدر لا بأس به من التفصيل.
* ورد بالكتاب عن تضرر الولايات المتحدة الأمريكية، من الهجوم الياباني الساحق، الذي تم بتاريخ 7 ديسمبر 1941، على القاعدة البحرية الأمريكية/ "بيرل هاربر"، الواقعة في جزر الهاواي بالجزء الغربي من المحيط الهادئ، أبان الحرب العالمية الثانية، وتم توضيح التفاصيل التي تثبت أن فداحة الخسارة الأمريكية كانت شاهداً على إخفاق أجهزة المخابرات الأمريكية بنحو يكاد لا يصدقه القارئ.
* بالكتاب واقعة عن تعامل ذكي لأحد أجهزة الاستخبارات المشهورة بكشف نية دولة متحاربة معها، وتم ذلك فقط، بإرسال برقية لاسلكية واضحة غير مشفرة.
* من مفاجآت الكتاب أن الميزانية المخصصة لوكالة المخابرات المركزية بالولايات المتحدة الأمريكية "CIA"، في حدود 16% فقط من الموازنة الأمريكية المخصصة لأجهزة المخابرات، وهذا مؤشر أن تلك الوكالة ليست إلا جهازا ثانوياً في المخابرات الأمريكية. .....................................................................
ملاحظاتي على الكتاب:-
* يتناول الكتاب أحداثاً حصلت في التاريخ الموغل في القدم، وفي تاريخ العصور الوسطى، وذلك على الرغم من أن تخصص المؤلف هو التاريخ الحديث، وبالرغم من ذلك فإن الكتاب يفترض الحد الأدنى من معرفة القارئ بالتاريخ القديم، إمبراطورياته وأشخاصه، ويبدو أن نشأة ذلك الخلل بسبب توقع المؤلف أن تكون قراءة كتابه من قبل من درسوا ذلك التاريخ.
* يركز الكتاب على تاريخ أوروبا وما احتك بها من حضارات في العصر الحديث مع نقص شديد في تناول تاريخ العرب والمسلمين، وطال ذلك النقص تاريخ الأمبراطورية العثمانية التي تعرضت للكثير من الممارسات الاستخباراتية الغربية .. وفي ظني أن من أسباب ذلك النقص، قلة المراجع وندرة البحث العلمي الحيادي عنها، وأرجو ألا يكون المترجم قد ساهم في هذا النقص تلافياً لانتقاداتٍ محتملة.
*يورد الكتاب بالفصل الثامن معلوماتٍ عن "أبرز الجواسيس والخونة في حروبٍ استعرت بين مخابرات القوى العظمى"، ويلاحظ تركيز هذا الجزء على إيراد أسماء جواسيس سوفيات تجسسوا لصالح الدول الغربية، وفي ظني أن ذلك بسبب ما تمكن المؤلف الاطلاع عليه من إرشيف المخابرات الغربية التي لن تكشف إلا ما يصب في مصلحتها، وذلك علاوة على الانغلاق التام والسرية المتبعيْن في الدول الأخرى. .....................................................................
كل ما ورد في هذا المنشور للتعريف بالكتاب، غيض من فيض ولا يغني عن قراءته للفائدة وللمتعة، ويحسب للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت تكلف عناء ترجمته ونشره، رغم ما بدا لي من ندرة اهتمام جمهور القراء بهذا البحث التاريخي المتخصص الذي قد يبدو مملاً. ..................................................................
عن المؤلف "Wolfgang Krieger"، وكتابه:- وولفجانج كريجر؛ متخصص في علم الاستخبارات الدولية، أستاذ التاريخ بجامعة ماربورغ وعضو اللجنة العلمية بوزارة الدفاع الفرنسية، عضو مؤسس لحلقة تاريخ المخابرات، التي ذاع صيتها منذ العام 1993، بين الباحثين المتخصصين في ذلك العلم. "International Intelligence History Association".
وهو مؤلف كتاب آخر، كان الأكثر مبيعا في ألمانيا عام 2012، عنوانه "التاريخ السياسي لأجهزة المخابرات الفرنسية" (لا ديكوفيرتي)؛
هذا الكتاب، هو الطبعة الثالثة باللغة الألمانية، من بعد نجاح الطبعة الأولى التي بيع منها في ألمانيا حوالي 2000 نسخة ورقية، (يعد هذا عدداً كبيراً بالنسبة لكتاب بحثي يتناول موضوعاً محدداً ودقيقاً)؛ وقد صدرت بتاريخ 20 يونيو 2013 نسخة من الكتاب باللغة الفرنسية (اللغة الثانية للمؤلف)، ثم صدرت هذه الطبعة الثالثة (المزيدة)، باللغة الألمانية بتاريخ 12 سبتمبر 2014؛
ثم صدرت ترجمة باللغة العربية في شهر إبريل 2018، لطبعته الثالثة الألمانية المشار إليها، وكان ذلك بقلم عالم قدير، هو الأستاذ الدكتور/ عدنان عباس علي، المولود في العراق، عام 1948، الحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة فرانكفورت، ونشرها/ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت؛ ولم يصل إلى علمي وجود أي ترجمة عربية أخرى. .....................................................................
بالرابط المرفق، فيديو باللغة الإنجليزية، جذاب وقصير، يوضح وبالرسومات التعبيرية، نشأة ومهام جهاز المخابرات بألمانيا الشرقية "Stasi"، الوارد مسماه أعلاه، وذلك منذ نشأته عام 1950 وحتى اليوم في ظل دولة ألمانيا الموحدة.
المعلومات المتوفرة في الكتاب عادية متداوله بشكل طبيعي ولكنها منسيه فقام الكاتب بترتيبها وإعدادها أعداداً جيداً مما يسهل على القارئ مهمة اكتشاف التاريخ الطويل للمخابرات و لعملياتها السريه بشكل عام ، مايعيب الكتاب كثره السرد من المؤلف الذي قد يصيبك بالملل
الكتاب يستعرض تاريخ الاستخبارات والجاسوسية منذ الأزمنة القديمة وحتى العصر الحالي ويشرح إنه رغم أهمية التجسس وجمع المعلومات عن الأعداء لم تكن هناك جهات منتظمة مخصصة لهذا الغرض قديما وأن أجهزة المخابرات بشكلها الحالي أخدت وقتا طويلا من التشكل حتى تكتسب أهمية إلى جانب الجيوش الكتاب تطرق للجاسوسية خلال الحرب العالمية الأولي والثانية وبعض المحطات الهامة المتوقعة مثل فك شفرة جهاز إنجيما والجاسوسية خلال الحرب الباردة ومجموعة "الخمسة من كامبريدج" وأفرد فصلا لتطور جهاز المخابرات السوفييتي منذ نجاح الثورة الروسية في 1917 وحتى أصبح ما عرفناه باسم KGB كتاب ممتاز ودسم عن موضوع الاستخبارات والجاسوسية
بالتاكيد لا يمكن لاى مؤرخ مهما بلغ علمه الالمام بالتاريخ الكامل لعملية جمع المعلومات و الاستخبارات عبر التاريخ و لكن يجب تقدير الجهد المبذول من الكاتب لالقاء الضوء على تلك المهارة الانسانية الهامة قبل ان تكون اهم ركائز السياسة و الاقتصاد و العمل العسكرى و ربما يمكن تلخيص العمل الاستخبارى فى جملة هامة و هى ( انهم لا يجب ان يعلموا اننا نعلم ما يعلمون اننا نعلمه ) فالاستخابرات اولا و اخيرا هى فن جمع المعلومات و الاخبار ثم تنسيقها و تحليلها للخروج بالتصرف السليم فى سرية تامة و ليس كما تظهر فى افلام الجاسوسية من مطاردات و دماء و اطلاق الرصاص يمينا و يسارا لان كل ذلك يعرض العميل للانكشاف و يدمر شبكة تجسس كاملة تم بنائها فى سنوات فى دقائق بعمل اهوج عديم القيمة فالاستخبارات فى طبيعتها عمل هادئ صموت بينما يترك العمل القتالى لوحدات عسكرية مرتبطة بالجهاز او الجيش لتعمل بناء على المعلومات التى وفرها جهاز الاستخبارات و رجاله الذين تتراوح شخصياتهم من العسكريين للعلماء حتى الصحفيين و اساتذة الجامعات كل حسب اختصاصه و قد يمضى اغلبهم كامل حياته فى الجهاز ولا يطلق طلقة واحدة فلندع جيمس بوند اذا لصالات السينما و رجل المستحيل لروايات المراهقين
كتاب رائع و دسم، ملىء بالمعلومات و الاشارات الى قصص تجعل القارىء الغير ملم بهذا النوع من الكتابات التاريخية دائم البحث و الرجوع الى مصادر مختلفة. كتاب أكاديمي و لكن أسلوب كتابته مبسطة و جيدة و ترجمة د. عدنان موفقة جدا و جميلة و لا يشوبها أي نقص من الكتب التى تحتاج الى اعادة قراءة
" مَنْ يرغب في دراسة ما يضمره المستقبل، فلا مندوحة له عن أن ينظر إلى الماضي البعيد" -ونستون تشرتشل
أثار هروب الخبير الأمريكي الشاب "إدوارد سنودن" وانشقاقه عن وكالة الأمن القومي الأمريكية ضجة دخلت التاريخ باسم (فضيحة وكالة الأمن القومي الأمريكية) على إثر تسريبات نُشرت، لعل هذا ما أثار كريغر أيضاً لكتابه هذا الكتاب. يتناول الكتاب في تسعة فصول استعراضاً لتاريخ المخابرات وعمليات التجسس منذ العصر القديم وحتى العصر الراهن، مروراً بحقبة الحرب الباردة. ولقد أفرد كريغر فصلاً قبل التسعة فصول للحديث عن مناهج وأساليب دراسة تاريخ المخابرات، سبقته مقدمة هي شبيهة بالفصل الأخير إلى حد كبير، تلك عشرة كاملة. والحق أن الكتاب لم يخرج عما جاء في العنوان من قَيْد "تاريخ" على ما فيه من إكثار وإسهاب في القصص المتعلقة بأجهزة المخابرات، رغم تنبيه المؤلف في بداية الكتاب على تركه لهذا الأمر! كما استبعد كريجر في مؤلفه هذا جانب التجسس الاقتصادي تماماً نظراً لحاجته إلى حيز أكبر. أيضاً استبعد الحديث حول أخلاقيات الجاسوسية وما يتعلق بها من شرعية التجسس من عدمه، إلا أنه لم يغفل جوانب وآثار التجسس التي امتدت إلى حياة الناس وخصوصياتهم وخرق المعاهدات والمواثيق الدولية بشأن حقوق الإنسان. لم يكن عمل كريغر مجرد السرد التاريخي لوقائع وأحداث مخابراتية فحسب، فهو يطل علينا من حين لآخر بتعليق أو توضيح أو رؤية معينة في إطار المتُكلم عنه، لا بل يذهب إلى أبعد من ذلك في استنتاجاته الخاصة كما في تعليقه على قصة "راحاب الزانية" في الكتاب الذي يقدسه النصارى. لقد خلصت إلى نتيجة ليست جديدة، بل هي عين رأي كريغر والذي ذكره في كتابه، وهي أن ثمة تشابه كبير بين المبادئ السياسية الأساسية، والأصول العسكرية التي تميزت بها الدول في عصور التاريخ القديم والعصور الحديثة على رغم ما بين الأطوار التاريخية المختلفة من بَون شاسع!
تعليقات سريعة على الكتاب: - للوهلة الأولى ظننت من كريغر الإنصاف فيما يمس المسلمين من قريب أو بعيد لاسيما في الفصول الأولى التي تناولت المخابرات إبان الفتوحات الإسلامية، إلا أنه لم يخب ظني في تفشي الإسلاموفوبيا في سائر جسده، ظهر ذلك واضحاً في حديثه المتكرر عن "الإرهاب الإسلاموي" ووصفه المسلمين في دفاعهم عن الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي الغاشم بالتطرف والإرهاب! تكرر وصفه الخبيث أيضاً في وصفه المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني بالتطرف! لا أدري من أين يفهم الرجل؟! - الترجمة جيدة وحقيقة شعرت بأمانة النقل عند المترجم حتى مع ما يخالف عقيدته، ولكنه مشكوراً كان يستغل الهوامش أحياناً في التلميح إلى بهتان كريغر وجعله المسلمين خطراً حتى في دفاعهم عن أنفسهم - لا أنكر أنني استفدت من الكتاب كثيراً، ولكن لا أخجل من أن أشير إلى عدم توفيقي في اختيار الكتاب. هذه أول قراءة لي في مجال كهذا نعم، ولكن شعرت بفقر شديد لديّ في التاريخ الغربي بشكل عام. - لغة الخطاب سهلة بعيدة عن التعقيد ولكن أسلوب السرد جاف مثير لشرود الذهن.
................................ كتاب: تاريخ المخابرات من الفراعنة حتى وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) تأليف: وولفغانغ كريغر ترجمة: عدنان عباس علي الناشر: المجلس الوطني للثقافة والآداب تاريخ النشر: إبريل 2018 عدد الصفحات: 583 صفحة تصنيف: سياسية الفئة : جاسوسية ومخابرات