من الممكن اعتبار هذا الكتاب الجزء الثاني من «ماذا علمتني الحياة؟» (دار الشروق ، 2007)، فهو استكمال له، ولكن ليس بمعنى أنه يبدأ من حيث ينتهي الأول، بل بمعنى أنه أيضًا سيرة ذاتية. إنه يسير موازيًا للكتاب الأول، فهو مثله يبدأ من واقعة الميلاد، بل وقبل الميلاد، وينتهي إلى اللحظة الراهنة، ولكنه لا يكرر ما سبق قوله، وكأننا بصدد شخصين يصفان حياة واحدة، ولكن ما استرعى انتباه أحدهما، واعتبره يستحق الذكر، غير ما استرعى انتباه الآخر . فمن المدهش حقًّا مدى غنى حياة كل منا بالأحداث التي تستحق أن تروى، والشخصيات الجديرة بالوصف. أما عن الصراحة، فقد استلهمت في هذا الكتاب ذوقي الخاص، كما فعلت في سابقه، ولا شك أنه، في هذا الكتاب أيضًّا، سوف يرى بعض القراء صراحة أكثر من اللازم، والبعض الآخر صراحة أقل من اللازم
جلال أمين
يمكنك تحميله من هنا http://www.4shared.com/get/xoAHmx8T/_...
جلال أمين كاتب ومفكر مصري تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1955 حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة لندن شغل منصب أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق بجامعة عين شمس من 1965 - 1974، عمل مستشارا اقتصاديا للصندوق الكويتي للتنمية من 1974 - 1978،ثم أستاذ زائر للاقتصاد في جامعة كاليفورنيا من 1978- 1979 أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة من 1979 وحتى الآن، فاز المفكر الدكتور جلال أمين بجائزة سلطان العويس في مجال الدراسات الإنسانية والمستقبلية 2009.
سألتنى صديقتي عن مدي استفادتى فى قراءة كتابين لسيرة حياة شخص .. ألا تكفى القراءة عنه مرة واحدة وخصوصا انه فى كلا الكتابين يحكى من البداية ومن الميلاد ويتحدث عن أمه وأبيه وطفولته .. ويستطرد فى الحديث عن باقي مراحل حياته ..
قد لا تكون رغبتى فى قراءة السيرة الذاتية لجلال أمين رغبة فى معرفة قصة حياته الشخصية بالتحديد .. ولكنها الرغبة فى معرفة تاريخ بلد فى مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. ولا شك أن أسلوب جلال أمين يحمل من الانسيابية والعمق والبساطة ما يجعل القراءة ممتعة وغير مملة. فهو يعرف متى يُسهب فى الحديث عن حياته الشخصية والمواقف التي مرت به ومتى يُدير الحديث عن السياسة والاقتصاد والأحوال الأخرى..
وعلى الرغم من أن السبب الرئيس لقراءتى سيرته الذاتية هى قراءة معرفية تحليلية لذلك العصر او تلك الحقبة التى عاصرها .. ولكن ذلك لا ينفي أن تجربة جلال أمين بها كثير من عناصر الإثراء للذات.
يعجبنى تحليله لمختلف الأحداث السياسية مثل حرب الخليج وأحداث الحادي عشر من سبتمبر بغض النظر فى اتفاقى او اختلافي معه فيما طرحه وذلك يرجع لجهلي بحقيقة الموقف ولكنّي بلا أشك أستفدت من تعليقاته علي الأحداث .. كما يقول نقلا عن رواية ((1984)) لجورج أورويل : "إن عامة الناس هم وحدهم الذين لا زالوا يحتفظون بقواهم العقلية، وذلك بفضل عجزهم عن الفهم. لقد بلعوا كل شئ ولم يلحقهم الضرر من وراء ذلك، إذ إن ما دخل أمعدتهم خرج منها دون أن يترك وراءه أى أثر، وكأنه حبة من الذرة تمر بجسم العصفور وتخرج منه دون أن يهضمها" أعجبنى حديثه عن الفن والمسرح والموسيقي والكتب .. وأشد ما أعجبنى تلك المراسلات التى كانت بينه وبين أخيه حسين وكانت تحمل من العمق والنضج ما أسرنى .. كنت أود قراءة سيرة ذاتية لحسين فلقد أحببت شخصيته، وأعتقد أن بها كثيرمن النضج والثراء الفكرى.
أحببت حديثه عن عقدة الخواجة وكيف أنه برغم من أنه يستفيد من كل اسهامات الحضارة الغريبة وأنه أول مستفيد منها فى كل جوانب حياته ولا يستغني عنها ولكنه لا يرضخ للفكر الغربي .. على الرغم من زواجه بأجنبية وزواج أبناءه من أجنبيات وكلنه يجيد الفصل التام فى ذلك .. .. تفهمت موقفه على الرغم أنه قد ينظر لموقفه هذا أن به بعض الازدواجية،ولكن أعجبنى هذا الفصل بشدة ... وفى حديثه عن جانب من جوانب تلك العقدة: "لا تدع الخوف أبدا يمنعك من الكلام، عندما يكون معك الحق، وعندما يكون رأيك مبنيّاً علي دليل علمي، ولا تظن أن عقلك من نوع أقل من عقل الخواجة، على الرغم من أنهم يحبون أن نعتقد ذلك حتي يتمكنوا من السيطرة علينا"
تحدث عن روسيا والاتحاد السوفيتيي وتشيكوسلوفاكيا ورئيس حكومتها أكسندر دوبشيك، تحدث عن لبنان وعن سنوات بعثته فى لندن وعن مسارحها ومكتباتها المليئة بكل ما يخطر علي البال من كتب ومراجع فى شتي المجالات. أحببت أن ازور روسيا فى الثمانينات وأن أعيش في المعادى فى الخمسينيات ..
للمرة الثانية يتحدث عن رواية جورج أورويل ((1984)) ويذكر إعجابه بها .. لا بد لي من قراءتها في أقرب فرصة :) أحببت الفصل الأخير"لماذا تخيب الآمال" رغم ما به من النزعة التشاؤمية ولكنه بلا شك إنساني ويعكس حكمة هذا الرجل !
"كل ما يقرأه المرء لا بد أن يترك أثراً كبيراً أو صغيراً، محسوساً أو غير محسوس، ولكن هناك بعض القراءات وبعض الكتب اللتين تتركان أثراً يشعر به القارئ بوضوح، ويظل معه وقتاً طويلاً "...
شئ ما أثار انتباهي وهو عندما يعجبنى عمل ما فإني أتغاضي عما به من سلبيات غالبا، ولا أذكر غير إيجابياته .. ولا أدرى هل سبب ذلك بالنسبة لهذا العمل هو أمر متعلق بي أو بالكتاب نفسه لخلوه من السلبيات -وهو ما لا أعتقده- ... على كلٍ علي أن انتبه لهذه النقطة فيما بعد.
من الكتب القليلة جدا في حياتي التي انتهيت منها في جلسة واحدة .. علي الرغم من ضخامة حجم الكتاب .. إلا أن عاملان شجعاني علي التهام صفحات الكتاب بالاضافة إلي انبهاري بجلال أمين أولا أن جلال أمين ساعدني علي استعادة توازني الفكري بين حالتين مررت بهما في حياتي .. حالة الانغلاق التام وقت أن كنت أسيرا للفكر السلفي المنغلق بشدة و حالة الشك المطلق وقت أن كنت أسيرا لكتابات علمانية و لم أستطع أن أستعيد حالة الاتزان و السلام الداخلي إلا بعد العثور علي الكنز الفكري لدي جلال أمين ثانيا : حين تقرأ لكاتب يبهرك تعتاد علي مستوي معين من الكتابة .. و يصعب عليك الوصول لمر��لة الاشباع و الانبهار فضلا عن الاقتناع الا أن جلال أمين أثبت لي نظرية شخصية .. بأن أفضل ما قرأت لم يأت بعد
"منذ سنوات كثيرة، رأيت فيلماً بولندياً صامتاً لا يزيد طوله على عشر دقائق، ظلت قصته تعود إلى ذهنى من وقت لآخر، وعلى الأخص كلما رأيت أحداً من أهلى أو معارفى يصادف فى حياته ما لا قِبَل له برده أو التحكم فيه.
تبدأ القصة البسيطة بمنظر بحر واسع، يخرج منه رجلان يرتديان ملابسهما الكاملة، ويحملان معاً، كل منهما فى طرف، دولاباً عتيقاً ضخماً، يتك...ون من ثلاث ضلف، وعلى ضلفته الوسطى مرآة كبيرة. يسير الرجلان فى اتجاه الشاطئ وهما يحملان هذا الدولاب بمشقة كبيرة، حتى يصلا إلى البر فى حالة إعياء شديد، ثم يبدآن فى التجول فى أنحاء المدينة وهما لا يزالان يحملان الدولاب. فإذا أرادا ركوب الترام حاولا الصعود بالدولاب وسط زحام الركاب وصيحات الاحتجاج، وإذا أصابهما الجوع وأرادا دخول مطعم، حاولا دخول المطعم بالدولاب فيطردهما صاحب المكان.
لا يحتوى الفيلم إلا على تصوير محاولاتهما المستميتة فى الاستمرار فى الحياة وهما يحملان دولابهما الثقيل، إلى أن ينتهى بهما الأمر بالعودة من حيث أتيا، فيبلغان الشاطئ الذى رأيناه فى أول الفيلم، ثم يغيبان شيئاً فشيئاً فى البحر، حيث تغمرهما المياه وهما لا يزالان يحملان الدولاب. منذ رأيت الفيلم وأنا أتصور حالى وحال كل من أعرف وكأن كلاً منا يحمل دولابه الثقيل يأتى معه إلى الدنيا ويقضى حياته حاملاً إياه دون أن تكون لديه أية فرصة للتخلص منه، ثم يموت وهو يحمله. على أنه دولاب غير مرئى، وقد نقضى حياتنا متظاهرين بعدم وجوده، أو محاولين إخفاءه، ولكنه قدر كل منا المحتوم الذى يحكم تصرفاتنا ومشاعرنا واختياراتنا أو ما نظن أنها اختياراتنا، فأنا لم أختر أبى وأمى أو نوع العائلة التى نشأت بها، أو عدد إخوتى أو موقعى بينهم، ولم أختر طولى أو قصرى، ولا درجة وسامتى أو دمامتى، أو مواطن القوة والضعف فى جسمى وعقلى. كل هذا على أن أحمله أينما ذهبت، وليس لدىّ أمل فى التخلص منه."
كانت هذه القصة البسيطة الحكيمة البليغة هى نهاية المقدمة التى كتبها الدكتور/ جلال أمين، أستاذ الاقتصاد، وابن الكاتب الكبير أحمد أمين، لمذكراته الشخصية، أو سيرته الذاتية والتى أسماها "ماذا علمتنى الحياة؟.. قرأت ماذا علمتني الحياة في ليالي الامتحانات قبل ان اذهب الي النوم وانا شديد التوتر والقلق اشعر اني بحاجة الي قراءة بعض حكم السنين وعصارة تجربة الرجل الذي وعد في اول كتابة بالصدق...فكان اكثر ما يميز كتابه هذا الامر.. جلال امين في تصوري المتواضع يجمع بين السهل الممتنع العمق مع البساطة .. يطرح اشد القضايا تعقيدا ببساطة شديدة لغته سلسلة لا يستخدم حذلقات مدعي الثقافة ....يحث عن الفهم لدية نزعة تعليل واضحة يحاول ان يفسر بها الاشياء والاحداث.. اليوم انهيت الجزء الثاني من سيرته الذاتية رحيق العمر ,الكتاب اجمل من الجزء الاول شعرت انه اكثر حكمة وحاول ان يكون اكثر نضجا انتقي الاحداث التي ضمها بين دفتي الكتاب بعنية اصاب القاريء بمتعة في استعراض التجارب بطريقة شيقة خصوصا عندما كان يذكر الرسائل المتبادلة بينة وبين اخية حسين احمد امين... ابحثوا عن كتبة التي يخلط فيها بين تجربتة الذاتية وبين الحياة كما قام بذلك في كتابة ماذا حدث للمصريين في 50 عام....
هذا ليس بكتاب عادي، إنمّا كتاب يُضيف لرصيدك الكثير عقب الانتهاء منه. فالكاتب دكتور جلال أمين، ليس مجرّد رجل عادي عاش 75 عاماً، ويحكي لنا تجربته، بل هو مفكّر واقتصادي وأديب مخضرم، سليل أسرة عريقة في الأدب، فهو ابن للأديب الكبير أحمد أمين، ولديه من الإخوات ثمانية، وتنقّل بين البلدان، وصادق الكثيرين، واحتلّ مناصب مختلفة، وكتب رسالات وكتب عديدة، وحاضر بأماكن شتّى. إذاً نحن أمام رجل مختلف، يحكي لنا تجربته بطريقة غاية في الإمتاع والإنسانية والصدق، لتجد هنا الأدب القصصي، وأدب الرحلات، ستتعرّف عبر رسائله المدهشة مع أخيه حسين آراء عميقة في الأدب العالمي، وفي السيمفونيات والموسيقى، سيعود بك لحقبة زمنية بعيدة، وكيف كانت مصر وتقاليدها وقتما كان طفلاً. ثم تتعايش معه مراهقته وقلّة تجاربه الإنسانية، ثم سفره لتحضير الدكتوراه، وزواجه من إنجليزية، وهنا نتعمّق أكثر في حياته؛ حيث الأطفال ومكان المعيشة، وأسلوب الحياة، وتحاول من كل ذلك أن تستقي الخبرة، وأن تتعلّم. الآراء الاقتصادية والاجتماعية لم تغب عن الكتاب أيضاً، فثمة أحاديث عن الماركسية والاشتراكية، والصراعات الدائرة بين الطبقات الاجتماعية وظاهرة الحراك الاجتماعي، والنظام البيروقراطي في مصر، وكذا معايشة د. جلال أمين ورؤيته في غزو الكويت، وأحداث 11 سمبتر، والختام الذي كان مع فصل أراه الأمتع: "لماذا تخيب الآمال"، الفصل الذي رغم أن حمل الكثير من الكآبة، إلا أنّك تتعلم منه الكثير والكثير. من أكثر ما قرأت، وأثر فيّ. كتاب لا يُنسى أبداً، وتجربة مليئة بالثراء من كل الجوانب.
جاء الكتاب أقل كثيرا من توقعاتى له كما أنه لم يضف فيه الكثير عما قاله فى الكتاب الأول " ماذا علمتنى الحياة ? " و لم يختلف عنه في الأسلوب أو نوعية القصص التى يسردها ....
و باختصار تلك هى سلبيات الكتاب فى رأيي:
1- شعرت أن به الكثير من القصص و المواقف التى وجدتها عديمة الفائدة أو قليلة ال��ائدة بالنسبة للقارئ و بالتالى لم يكن هناك أى داع من ذكرها حتى لا تضيع وقت القارئ هباء 2- الفائدة التى خرجت بها من الكتاب قليلة الى حد كبير و هو ما خيب توقعاتى 3- وجدت أن الكاتب تكلم عن كل جوانب حياته... الحب و الدراسة و الأهل و الأسرة و الأولاد و الزواج و العمل و مجال دراسته و السياسة لكنه لم يتكلم عن " الدين " مطلقا ولا عن موقفه منه و لا عن تطور شعوره الدينى على مدار حياته و هو فى اعتقادى من جوانب الحياة التى لا يمكن اهمالها أو إغفالها و لها تأثير كبير على الفرد فى شتى مناحى حياته و على نظرته عموما للحياة ..قد أكون مبالغة فى رأيي هذا و لكن هذه الملحوظة لم تغب عن ذهنى أثناء قراءتى للكتاب .. 4- شعرت بأقصى درجات العجب و الاستغراب فى فصلين من هذا الكتاب و هما فصل " سن المراهقة " و فصل " الحب و الزواج" إذ تكلم الكاتب بطريقة غريبة عن الجنس ..و أقصد بكلمة "غريبة" هنا أنها غريبة على شخص شرقى محافظ مسلم يعلم أن ارتكاب الزنا فاحشه ينهى عنها الاسلام أشد النهى ..و لكنى وجدت الكاتب يصف بمنتهى السهولة و البساطة علاقاته الجنسية سواء فى سن المراهقة عندما حكى عن تجربته مع العاهرة التى استأجرها هو و أصدقاءه بل و قد وصف هذه التجربة بأدق أدق تفاصيلها دون أى حرج من أنه يتكلم على شئ هو من أعظم المحرمات فى كل الأديان و على الأخص دين الاسلام الذى يدين به الكاتب !! ....لقد تكلم عن الجنس بمنتهى الانفتاح و حكى عن تجربة علاقته الجنسية بصديقته التى تعرف عليها أثناء بعثته فى الخارج ..و هو يقول بمنتهى البساطة مصطلح "صديقتى " و هو مصطلح بالمعنى الذى يعكسه فى الخارج فج وغريب علينا نحن كشرقيين آتيين من مجتمع محافظ و متدين و ينظر إلى ارتكاب مثل هذه الفاحشة باشمئزاز لا بتلك البساطة التى يتحدث بها الكاتب عن تجاربه الجنسية و كأنها شئ عادى غير محرم فى دين الاسلام و لا حرج من ذكره ..و قد كان الأولى به فى نظرى أن يخفى هذه الأسرار و ألا يتكلم عنها مطلقا فهذا لن يضيف إلى رصيده فى نظر الكثير من القراء ..فضلا عن أنه لن يفيدهم بشئ!! 5- أخذت عليه أيضا أنه أغفل التحدث عن نقاط هامة جدا فى حياته و يهم القارئ أن يعرفها ليستفيد منها و هى تجربته فى تربية أولاده ..ما الصعوبات التى واجهها و خاصة أن والدتهم من بلد و ثقافة مختلفة تمام الاختلاف عن بلد والدهم ..ما الذى حرص على أن يغرسه فيهم و ماذا كانت أحلامه لهم ؟؟ ..نقاط كهذه كان من الصعب إغفالها فى وسط كمية كبيرة من الحكايات التى حكاها الكاتب على مدار كتابين قد تكون أقل أهمية بكثير من هذه النقطة .. 6- كذلك لم يتحدث الكاتب عن تجربته فى الزواج من سيدة انجليزية ذات ثقافة مختلفة تماما عن ثقافته ..ما الصعوبات التى واجهته و كيف استطاعت هى التعايش فى بلد مثل مصر بكل مساوئها ..و كيف استطاعت أن تتعايش مع هذا المجتمع المحافظ ..؟؟ 7-كنت أرى أن الكتاب كان أفضل له أن يكون مركز بأكثر مما هو عليه و مقتصر فقط على الهام جدا من الأمور و التى تمثل بالفعل خلاصة تجربة الكاتب على مدار سبعين عاما و التى يرى أنها ستضيف بالفعل إلى القارئ و ليس مجرد سرد للسرد فقط.. 8- و أخيرا "الصراحة" و ان كانت ميزة فى الكاتب فهى إن زادت عن حدها تعد فى نظرى تصبح عيبا و هو ما وجدته فى بعض الحكايات التى حكاها مثل تلك التى حكاها عن عمته و خلافاتها مع والدته ..و هو ما لم أجد أى داع و لا فائدة تذكر من ذكره فى هذا الكتاب ..فضلا عن أنه يسئ إلى بعض الناس الذين تم ذكرهم ..
أما عن مميزات الكتاب فى نظرى فهى :
1- الصراحه و الصدق و البساطه الشديده و التلقائية التى يتمتع بها الكاتب فى السرد و هو شئ أكبرته فيه جدا ..إذ لم يخجل من ذكر أخطاءه و مواطن ضعفه البشرى و عثراته و لم يخجل من ذكر رأيه الشخصى "السلبى" فى نفسه فى بعض المواقف ...شعرت من خلال كل هذا أنه شخصية بسيطة و سويه و غير مغرورة على الاطلاق و لا يهدف الى تجميل سيرته من خلال هذا الكتاب بل يريد سرد صادق و حقيقى لقصة حياته كما حدثت تماما دون اى تجميل ..و هو ما أبهرنى بشده فى د. جلال أمين 2- سهولة أسلوبه فى السرد و سلاسته و هو ما اعتدنا عليه من د.جلال فى كل كتبه ..فهو لا يستخدم اللغة المعقدة لوصف ما يريد بل يلجأ إلى أبسط الكلمات ليوصل فكرته للقارئ و هو أيضا يدل على مدى نضج الكاتب و بعده عن التكلف فى التعبير عن نفسه .. 3- من أكثر الفصول التى أعجبتنى فى الكتاب فصل "11 سبتمبر " , "الاكتآب" , " المعادى" , " لماذا تخيب الآمال" ,"الحراك الاجتماعى " , "أبى و أولاده " ..و كذلك مقدمة الكتاب التي تكلم فيها ب��نتهى الصراحة عن نقد القراء لكتابه الأول و لم يخفى فيها هذه الانتقادات ..و تكلم كذلك عما يمكن أن يرد فى ذهن القارئ من تساؤلات بخصوص هذا الكتاب أو سابقه و أجاب عليها بمنتهى الحياديه و الصدق كذلك..فكانت مقدمة موقفه جدا..و صادقة فى توقعاتها لما يمكن أن تكون عليه آراء القراء بعد الانتهاء من هذا الكتاب سواء السلبى منها أو الايجابى ..
و لكن فى المجمل فإن سلبيات الكتاب فى نظرى أكثر من إيجابياته ..و إن لم يمنع هذا كونى استمتعت جدا أثناء قراءته ..
الكتاب الثانى والذى يعتبر مكملا لكتاب (ماذا علمتنى الحياة؟) للسيرة الذاتية للدكتور جلال أمين
من خلال الكتابين يأخذنا د. جلال ببساطة لاكتشاف عالمه وحياته.. الملاحظة الأولى ان د. جلال يعلمنا ببساطة ان بحياة كل منا ما يستحق ان يُروى بل بالعكس ربما لا تكفى صفحات كتابين كاملين يزيد كل منهما على 400 صفحة لرواية حياة انسانية كاملة بكل تفاصيلها وشخوصها، حياة قد تبدو شديدة الشبه بحياة اى انسان عادى خاصة عندما يتحدث حديثاً شديد الخصوصية عن مرضه وعائلته ومعتقداته واخطاؤه ولكن الفارق ان هناك من يقدر ويدقق فى كل لحظة منها ويعمل عقله فى كل ما يمر به من أحداث.. باختصار حياة انسان يحاول ان يجعل منها معناً مفيداً والا يتركها قيد العبث او الأهواء والظروف ملاحظتى الثانية هى الدقة الشديدة والذاكرة الحادة التى يتمتع بها د. جلال والتى مكنته ان يتذكر كل هذه التفاصيل والمعانى والمشاعر التى مر بها على مدار حياته بل وقدرته السليمة والمنظمة والمنطقية جدا على تفسير الكثير من الأحداث التى مر بها ومحاولته الدائمة لوضع الأمور فى نصابها ووزنها بميزان العقل باختصار د. جلال هو افضل ممن يمكن ان نطلق عليهم لقب المثقف فى زمن ندر فيه ان نجد من هم مثله فى زمننا هذا وهو الوصف الذى فسره علاء الديب فى كتابه (وقفة قبل المنحدر): ان اغلب أحلام المثقف مرتبطة بفهم الواقع والعمل على تغييره، وضع المعلق دائماً بين الحلم والواقع يجعل منه وتراً مشدوداً، يجعله يعيش اللحظة مرتين ويندر ان يبقى فى فمه طعم الحلاوة. ان الاحساس بالمسؤلية الجماعية يقطع فى المثقف حد السيف.
ملاحظتى الثالثة هى كيف اهتم د. جلال فى المرتين بختام قصة حياته بفصل كامل - ربما شاء بقصد او بدونه - ان يحمل معنى خيبة الآمال دائما ما يكون هذا الفصل شديد الحساسية و ممعنا فى التاثير النفسى والوجدانى لقارئه عندما لا يجد افضل ما يختم به المرء قصة حياته سوى السؤال عما اذا كانت تلك الحياة قد حققت المرجو منها او انها كانت مُرضية لصاحبها .. وفى المرتين يخرج بنفس النتيجة وهى انها عادة ما تكون اكثر تخييبا للآمال وربما كان ذلك لنفس السبب الذى حاول هو ايضا ايضاحه كعادته وهو ان عادة الانسان ان يبالغ جدا فيما يريد ان يحققه فاذا كنا نبدأ دائما بالطموح الزائد عن الحد فما الذى يمكن ان نتوقعه سوى خيبة الآمال، وكأنه بذلك الحديث يحاول ان يوجهنا الى ضرورة الرضا والى اننا ينبغى ان نفطن الى هذا السر فيكون مساعدا لنا على التخفيف من مغالاتنا فربما ادى ذلك الى ان ننعم بحياة اكثر هناة واقل ايلاماً
استمتعت جدا بقرائتى لتلك السيرة الذاتية لأحد الكتاب المحترمين فى مصر.. د. جلال أمين حقا شخصية جديرة بالاحترام ممن يستطيع المرء ان يفخر بانهم ممن انجبتهم نفس تلك الأرض واظلتهم نفس تلك السماء التى تجمعنا معاً
"يوجد قصة جميلة لتولستوى عن رجل وجد نفسه أمام مساحة شاسعة من الأرض الخصبة والمثمرة، فطمع في تملكها، فقيل له إن أي مسافة يستطيع أن يقطعها مشياً أو جرياً تجعل الارض التي مر بها ملكاً له، ولكن بشرط واحد، هو أن يعود إلى النقطة التي بدأ منها قبل إختفاء آخر شعاع للشمس .. فرح الرجل بما عُرض عليه، وظن أنه لا يمكن أن يُسفر إلا عن مكسب صافٍ له ولكنه إذ شرع في الجري واستولى على مساحة من الأرض، وجد أن قطعة أرض جميلة ظهرت أمام عينيه فطمع في إضافتها إلى ما سبق له جمعه، وإذا بهذا الإغراء يتكرر حتى اكتشف بعد فوات الأوان أنه ذهب في جريه إلى أبعد مما يسمح له بالعودة قبل غروب الشمس .. إذ لم يبقى له من الوقت ولا من القوة ما يسمح بذلك"
جل ما قرأت من السير الذاتية كان لسياسيين ودبلوماسيين، وهي سير تقرأ غالبًا للوقوف على الأسرار التي دارت في الغرف الخلفية للتاريخ، ولكن سير المفكرين والمثقفين لها طابع آخر، فهي سيرة إنسان وسيرة عقل في آن واحد، وهذا ما كانت عليه السيرة الذاتية للمفكر الاقتصادي المصري الراحل جلال آمين. كأي سيرة بدأ جلال أمين سيرته من الأسرة التي ولد فيها، وهي أسرة تختلف عن الأسر الأخرى، فالوالد، أحمد أمين، مفكر وأديب من أهم مفكري النصف الأول من القرن العشرين، وتأثيره على أسرته وفكر أبناءه وطموحاتهم ومستقبلهم لا يمكن تجاهله، ولكن جلال أمين لا يحاول أن يرسم صورة لوالده تحيط بها القداسة، فهو رجل عادي يغضب ويتشاجر مع زوجته وينفق على أبناءه بغير تقتير ما لم يكن فيما لا يعتقد بأنه ذا فائدة، ويعتذر جلال أمين مرة بعد مرة في تلك الفصول التي يروي فيها نشأته عن هذه الصورة العادية للمفكر الكبير بأن جلال أمين كان آخر أبناء أحمد أمين، وكانت ولادته في ذلك الوقت الذي أنشغل فيه أبيه بأمور عمله ومشروعاته الفكرية قبل أن تصبه ال��يخوخة والمرض. وإلى جانب الوالد، كانت هناك الوالدة، سيدة عادية كمعظم أمهاتنا، تهتم برعاية أبناءها وصحتهم والبحث عن سعادتهم، وعلى الرغم أن جلال آخر الأبناء – آخر العنقود كما نقول في مصر – إلا أنه لم يحظ بالدلال الذي يناله الأبن الأصغر عادة، إذ كان كثرة الأخوة ومشاغل الأسرة تحول بين أن ين��ل جلال مثل هذا التدليل. ويحرص جلال آمين أن يؤكد دائمًا، خلال هذه الفصول التي يتناول فيها نشأته وأسرته، أن عائلته كانت تنتمي للطبقة الوسطى في هذا العصر، وقد أرتقت ضمت طبقتها لأن هذا العصر كان لا يزال يمكن فيه الارتقاء الاجتماعي للطموح عبر مواهبه وإمكاناته الحقيقية، على النحو الذي ارتقى فيه أبيه أحمد أمين السلم الاجتماعي مع ارتقاءه السلم الفكري والأكاديمي. ينتقل جلال أمين بعد ذلك إلى سنوات المراهقة، ومنها إلى الجامعة ثم الدراسة في بريطانيا: وهذا القسم بالذات من الأهمية في فهم التكوين الفكري لجلال أمين، وهو الذي يمكن فهمه من خلال الخطابات المتبادلة بينه وبين أخيه حسين أمين، فهناك القصة التقليدية للشاب الشرقي المنبهر ببريطانيا ومسارحها وشوارعها وأبنيتها الفخمة العريقة، وهناك الشاب النهم للمعرفة الذي يقضي جل وقته في مكتبة الجامعة والمتحف ويجول ما بين الإرث الثقافي الغربي وأحدث إنتاج هذه الثقافة محتفظًا بملكة نقدية متيقظة وشعور بالذات الثقافية لا تعميه الأضواء الباهرة للثقافية الغربية. فصول أخرى تالية، يتناول فيها جلال أمين قصة زواجه، وعودته إلى مصر، والأجواء المهينة على الجامعات المصرية، ومسيرته الأكاديمية والبحثية، موجهًا نقدًا للحياة الأكاديمية المصرية وركودها، وهيمنة عقلية الكسب المادي عند قسم كبير من الأساتذة على حساب الشغف العلمي، وموجهًا كذلك النقد للبيروقراطية التي هيمنت على مصر في زمان عبد الناصر. إن تلك الفصول الأهم في نظري هي تلك الفصول التي جاءت بعد نحو ثلثي الكتاب، والتي يعرض فيها جلال أمين لمفاهيمه الخاصة عن زمن عبد الناصر والسادات ومبارك، وكذلك يوجه النقد للثقافة المهيمنة من خلال نقده لمفهوم الفقر، وللماركسية فكرًا وممارسة، والتنمية الاقتصادية، والمؤسسات الدولية، وعقدة الخواجة، ثم يعبر عن موقفه من أزمة 11/9 وما لحقها، والحراك الاجتماعي في مصر؛ هذه الفصول غنية برؤية المثقف الملتزم بهموم بلده، رغم إصرار المؤلف من حين إلى آخر أنه يعبر عن رؤى الطبقة الوسطى أكثر من تعبيره عن موقفه الفردي. الكتب ماتع قيم، ولعله يكون الباب الذي أدخل منه لعالم السيرة الذاتية للمثقفين العرب.
في هذا الكتاب يعرض جلال أمين لفصول أخرى من حياته، وأيضا لفصول مكررة سبق له الحديث عنها في كتابه الأول (ماذا علمتني الحياة) لكن من زاوية مختلفة هذه المرة. بدا لي النصف الأول من الكتاب خاليا خاويا من المميز والفكري المفيد، لكن النصف الثاني جاء مكتنزا بالأفكار والكتابات المفيدة والغنية والممتعة في آن كعهدي بكتابات هذا الرجل المفكر الحر الصادق فيما أحسب والله حسيبه.
يكمن جمال سيرة د. جلال أمين في أنها تُشعرك إلى أي مدى حياتك أنت مليئة بتفاصيل تستحق أن تُروى، مهما كانت عادية، فهي ليست مكررة. د. جلال رجل من أسرة متوسطة، سافر في بعثة لإنجلترا، تزوج من إنجليزية، عاد لمصر وأنجب ثلاثة أبناء، اشتغل بالتدريس، وألّف عدة كتب. لا شئ استثنائي في الخطوط العريضة لحياته، "البهريز" في التفاصيل، وطريقة العرض.
أعتقد أن السيرة الذاتية الناجحة هي التي تستشعر فيها التلقائية، ولا يمكن لكاتب بأي حال أن يخدع قراؤه بأنه يروي الحقيقة لفترة طويلة، فقد استرسل د. جلال في الحديث عن تفاصيل ظننت معها أنه نسي أن ما يكتبه سيُعرض على آخرين! كما أنها تكشف شخصيته شيئًا فشيئًا، ولا يحق لي أن أعلّق على شخص د. جلال أو أنصّب نفسي حكمًا على تصرفاته. لكن أكثر ما لفت نظري في شخصيته هو اعتداده الشديد بآرائه، خصوصًا عندما يثبت له أن رأيه كان سليمًا حيال أمر ما، فكانت أكثر جملة تتكرر كل بضع صفحات هي: (وقد ظهر لي أن رأيي كان صحيحًا!) :))
كما أنني بُهرت بثقافته الواسعة، واطّلاعه على كم عجيب من الكتب، ومشاهدته للمسرحيات العالمية. إنها أشياء مثيرة للإعجاب. كما أنني تمنيت للحظة لو كان لدي أخ (أو صديق) بمعرفة ولغة وعقلية حسين أخيه! خطابات حسين تستحق أن تُدرّس كنموذج لكيفية تنسيق الأفكار ومن ثم التعبير عنها. بديعة!
إن هذا الجزء يفوق الأول صراحة وجرأة في ذكر وقائع عن شخص د. جلال وعائلته، ولن أزعم أنه فعل ذلك للتأكيد على أنه كان شابًا عاديًا يقترف الأخطاء، لكنه قالها لأنه يراها عادية، ولا يضيره أنه تُروى. لا أكثر ولا أقل. وبرغم ذلك، فقد استمتعت أكثر بالجزء الأول، ولا أعرف السبب على وجه التحديد.
بشكل عام أحب قراءة السير الذاتية, ليس تشوقاً لمعرفة معلومات تفصيلية عن صاحب السيرة بقدر ما توفره قراءة السير من معرفة بتفاصيل الحياة الإجتماعية و السياسية. في كل كتاب قرأته لجلال أمين لم أكن أشعر أنني أقرأ لمفكر حقيقي, قد يكون له بعض التحليلات اللطيفة و الرصد و التوصيف الجيدين, لكني كنت أشعر أنه ليس بالثقل الكافي ليطلق عليه لقب (مفكر) و يوضع في مصاف شخصيات كالمسيري و حمدان مثلاً...لا أريد أن أكون قاسياً في توصيفي لكني لا أملك إلا أن أقول أنه (إقتصادي بيحك في الفكر) :D لكن كل هذا لا يقدح في جمال هذه السيرة الذاتية و لا صدقها, و قد كشف فيها عن تفاصيل كثيرة بعضها يعيبه و يعيب أفراد أسرته, و في بعضها هتكٌ لأستارٍ بينه و بين ربه, و المطلع على سيرته و نتاج أخيه حسين و سيرة والدهما من قبله سيتفهم هذا. فهي أسرة بدأ عاهلها بمرحلة إنتقالية نحو التغريب و حاول أصغر أبناؤه جلال أن يكون في موضع وسط بين ما سماه (الأصالة و المعاصرة), لكنه في رأيي لم ينجح في ذلك بشكل كبير لأن هناك أساسيات وقعت في التنشئة في مرحلة الهرولة نحو التغريب تبقى هذه السيرة الذاتية شاهدة على تحولات مختلفة في المجتمع المصري في طبقته الوسطى, و هي تستحق القراءة بحق مع جزءها الأول
كتاب جيد في المجمل وإن كنت آخذ علي الدكتور جلال أمين عدم بلورته لنظريته عن عدم ارتباط التقدم بالتفوق العلمي والتكنولوجي والاقتصادي. ربما بلورها في كتب أخري لم أقرأها لكنه اكتفي في هذا الكتاب برؤوس أقلام فقط.. كما لم أقتنع كثيرًا بتأكيده عدم افتتانه بالغرب ،الأمر الذي تنفيه أشياء كثيرة في حياته منها زواجه بإنجليزية وزواج ابنه من أمريكية وأشياء أخري. صحيح أنه قد ساق مبررات لهذا لكنني لم أجدها مقنعة، خاصة ً أن المبررات دارت في فلك "أنا لا أشعر بأنني مفتون بالغرب رغم زواجي من إنجليزية و..و..!". كما أن تبريره لحصول أبنائه علي الجنسية البريطانية بدا "اعتذاريًّا" نوعًا ما، فهو أكد أنه رفض تمامًا هذا الأمر في البداية ثم ما لبث أن غير رأيه حين اكتشف أن مبارك مثله مثل السادات وأن الصراع الطبقي مستمر وأنه "لابد للإنسان من ظهر"!! فأين ذهبت المبررات الوطنية الأولي التي كان يسوقها لزوجته حين كانت هي تحاول إقناعه بتجنس أبنائه بالجنسية البريطانية في البداية؟
بوجه عام فليس إعجابي شديدًا بالسير الذاتية التي قرأتها : فتنتني سيرة الدكتور طه حسين لنبرة الصدق فيها، ولكونها قصة كفاح رائعة بحق، ولكون الرجل العظيم يحكي أشياء قريبة بعيدة، فهو يتحدث حديث الصبي الفقير، وأغلبنا عرف الفقر بشكل أو بآخر، إن لم يكن في شخصه ففي حياة بعض أقربائه أو جيرانه، لذا فإن النجاح الذي حققه طه حسين لا يتوقف عن إذهالنا لأنه قد تحقق له وسط ظروف غاية في الصعوبة (هي الفقر وعمي البصر)، لذا فهو قريب منا لأنه نجاح إنسان مكافح عاني الفقر لكنه لم يتركه يهزم روحه، لكنه بعيد عنا أيضًا لأن ليس كل نجاح كنجاح طه حسين وليست كل روح كروح طه حسين التي أبت أن تنسحق للفقر والعاهة. إنه نجاح شبه أسطوري، لا يشبه في شيء نجاحاتنا، وبالطبع لا يشبه في شيء نجاح جلال أمين ابن الأستاذ أحمد أمين، والذي نشأ في بحبوحة وسعة من العيش ولم يعاني الشظف لذا كان نجاحه متوقعًا بشكل أو بآخر.
السيرة الثانية التي أعجبت بها هي سيرة د/عبد الوهاب المسيري، والتي تعج بتفاصيل شخصية كثيرة (ومبتذلة نوعًا ما) كتلك التي يسردها جلال أمين (ود/محمد عناني) في سيرتيهما الذاتية. أعني التفاصيل الخاصة مثلا بتأسيس شقة الزوجية وتكاليفها وما إلي ذلك، لكن المسيري رحمه الله كان من الذكاء بحيث ربط كل تلك التفاصيل العادية (التي لو سمعناها من إنسان عادي لاعتبرناها لتًّا وعجنًا) بظواهر مجتمعية وقضايا فلسفية فبدت كل تفاصيل سيرته الذاتية وكأنها أحداث رمزية داعية للتأمل.أما جلال أمين فكان كرجل يستعيد ذكرياته، والذكريات ليس جميعها شائقًا لذيذًا كما نعرف. لا أدري. ربما أنا متحاملة عليه لحساسيتي الشديدة من أسلوب الأساتذة الجامعيين في الكتابة عن حياتهم.إنهم يصرون علي إشعارك بأنهم موظفون، وحتي لو كانوا مفكرين مرموقين، فإنهم يذكرونك دائمًا بأنهم موظفون عاديون كانوا حريصين علي الترقيات والإعارات والبعثات، إلخ. المسيري كان ذكيًّا حين ربط أحداث إعارته بأحاديث شيقة عن طبيعة الإنسان العربي وطبيعة انتماء المرء وتقبل الآخر له. أما جلال أمين (ومحمد عناني) فقد كانا يسترجعان ذكريات يجدان فيها لذة، وقد يجد القارئ فيها لذة أو لا يجد، فالإنسان بطبيعته يحب الحديث عن نفسه لكنه لا يطيق صبرًا علي الاستماع لشخص آخر يتحدث عن نفسه فيطيل الحديث. ومع ذلك فقد يجد القارئ غير المتخصص سيرة حياة جلال أمين ومحمد عناني أكثر تشويقًا من سيرة المسيري، ومع ذلك أيضًا فلا أعتقد أن القارئ قد يستمتع بسيرة كما يستمتع بسيرة طه حسين، التي تتحول فيها أحداث الحياة اليومية -التي نحاول نحن سردها فتخرج من أفواهنا ممجوجة مبتذلة-إلي أدب رفيع علي يد العظيم طه حسين رحمه الله
أعود لجلال أمين فأقول إن أكثر الأجزاء إمتاعًا في سيرته الذاتية هو الجزء الختامي حيث يتحدث عن كون الإنسان لا يعرف حقا ما يريده ويفزع من وقت الفراغ رغم تظاهره بأنه يتوق إلي بعض منه ليستمتع بحياته. صدق جلال أمين حين قال إننا حقا لا نعرف كيف نقضي أوقات فراغنا وأن السعيد حقا من كانت له هواية تمتعه .. كما صدق كل الصدق حين تحدث عن مبالغتنا في تقدير ما نتعرض له من خيبات أمل، وحين أقر بأن الحياة-رغم كل شيء- تفاجئ المرء ببعض المفاجآت السارة فيتوازن الميزان نوعًا ما.وأعجبني جدا حديثه عن علاقتنا المركبة بالناس.. والتي هي بالفعل-طبقًا له- مزيجًا من إيمان عميق بالمقولة الشائعة "جنة بدون ناس ما تنداس" وإيمان غير معلن بمقولة سارتر "الجحيم هو الآخر". لقد أجاد جلال أمين تحليلنا لعلاقاتنا ببعضنا البعض.
أعجبتني أيضًا صراحته الشديدة في تناول علاقاته الأسرية وشخصية والده ووالدته وعدم تحرجه من سرد حوادث قد يجدها البعض محرجة.
وبوجه عام أعجبتني الأجزاء التي تحدث فيها جلال أمين بصدق عن مشاعره ومخاوفه وخبراته وتأملاته في مرحلة الشيخوخة أكثر من الأجزاء التي تحدث فيها عن حياته داخل مصر وخارجها، أما نظرياته فلا أعتقد أنني قد أفدت منها جديدًا لأنها بالفعل قريبة من وجداننا كمصريين حتي إنها لتبدو لنا وكأننا نعرفها منذ الميلاد: فكلنا نتحدث عن خصوصيتنا الثقافية وعن تحبيذنا لقيام نهضة ذات أسس عربية خالصة (وإن كنا أيضًا-كجلال أمين- لا ندري كيف يمكن لشيء مثل هذا أن يحدث، وقد كان المسيري أيضًا أكثر صدقًا مع نفسه حين سلم بتعذر هذا في زمن الاختيار فيه ينحصر في علمانية شاملة وعلمانية جزئية). أما فكرته الأروع فهي تحفظه علي تحويل الأزهر من جامعة دينية إلي جامعة تدرس مزيجًا من العلوم الدنيوية والدينية. إنني بالفعل أنظر معه فأتخيل ما كان لنا أن نحققه لو أننا احتفظنا بالأزهر منارة لتطوير الفكر الديني والاجتهاد بما يلائم العصر. أعتقد أنه كان من الممكن لمصر والعالم العربي أن يتمكنا فعلا من التصدي للفكر الوهابي لو صار الأزهر مركزًا تنويريًّا يفرز أعمالا فكرية تبث روحًا جديدًا في أعطاف الفكر الديني، ودعاة مثقفين مطلعين مجتهدين. حبذا لو تم الأخذ بهذه الفكرة فنحن في أمس الحاجة لأزهر جديد، أو ربما للأزهر القديم.. أزهر الشيخ شلتوت وعبد الحليم محمود، وطه حسين أيضًا (راجع "أوراق مجهولة في حياة طه حسين" لتكتشف وجهًا آخر للأزهر غير الوجه الذي قدمه لنا عميد الأدب العربي في رائعته "الأيام".. وجه أكثر إشراقًا من الوجه الذي تحدث عنه "الفتي" حين كان موتورًا من بعض الأزهريين ضيقي الأفق ومفتونًا بالزهرة التي كانت قد بدأت تتفتح لتوها- أعني جامعة فؤاد الأول.. جامعة القاهرة).
رحلتي الثانية مع د. جلال أمين بعد أن أنهيت الكتاب الأول من سيرته (ماذا علمتني الحياة؟) وبدأت مباشرة بكتابه هذا، وقد أنهيت الكتابين في أقل من أسبوع ولله الحمد. ولا أقول هذا من باب الفخر (وإن كان له حظ) إنما من باب التشجيع على القراءة السريعة لبعض الكتب والروايات!
لا أظن أن جلال أمين قام بإضافة شيء جديد، إنما هي قصص أخرى لم يذكرها في الكتاب الأول، رغم قوله أن لديه المزيد مما يريد قوله وله الحق في ذلك، فقد شعرت بالملل في كثير من فصول الكتاب، ولكن مايغفر له هي مراسلاته مع أخيه حسين، وفصل (عقدة الخواجة) الذي هو أجمل و أهم الفصول. وكان باستطاعته إضافته إلى كتابه الأول!
لا أعني بقولي أني احكم على مسيرة الرجل او تقييمي له أو إعطاء النجمة أو الخمس نجوم مما سيزيد في عمره أو يعلي من شأنه. فتقيّم كتب السير والمذكرات أرى أنه يكون بناء على ما أضاف لقارئه من إثراء معرفي أو حكمة أو إطلاع على أفكار و نمط حياة كان سائداً في زمن معين، لا تقييم لشخص كاتبه أو محاكمة حياته.
أعتقد أن من قرأ الكتاب الأول ثم قرأ هذا ربما يتفق معي في الرأي..! ورغم هذا سأقرأ كتابه الثالث (مكتوب على الجبين).
الكتاب هو تجربة ثرية بكل المقاييس .... فهو بجانب السيرة الذاتية للكاتب يتناول الاراء الساسية ونظرة اقتصادية وتحليل اجتماعي للمجتمع من الخمسينيات وحتى الان ...
حياة البشر بها من التفاصيل و الحكايات ما يدهش أى انسان ، فقط ما يميز السيرة الذاتية لأحدهم عن الاخر مقدار الصدق و التشويق فيها ، جلال امين جعل السيرة الذاتية تأريخ للتغير فى الحياة على مدى 60 عام ليعطى القارئ من الدروس و الأفكار ما يمثل عصارة حياته التى كانت حقا رحيقا !!
فضلت أن أبدأ بالجزء الثاني من سيرة "جلال أمين" الذاتية فور انتهائي من الجزء الأول، وأنا أتساءل وكلي فضول ما الذي يمكن أن يضيفه المؤلف إلى ما حكاه في "ماذا علم��ني الحياة؟". وبالفعل أضاف المؤلف الكثير، مزيد من أفكاره وتحليلاته لحياته الخاصة ولوضع مصر والمصريين بل والوطن العربي عموما على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي عبر أكثر من نصف قرن.
وكعادته كان ذكر معظم الأحداث في الكتاب له مغزى ودلالة، فلم يذكرها الكاتب اعتباطا ولمجرد الحكي، فهي إما سبب لنتيجة توصل إليه الكاتب عبر سلسلة من التفكير والتحليل، أو العكس.
أعجبني بشدة فصل "عقدة الخواجة" الذي فصل فيه الكاتب لماذا اتجه العرب للانبهار بالحضارة الغربية وتمجيد الغرب وكيف ولماذا أفاق هو من سطوة هذا الانبهار.
بالطبع استأت أشد الاستياء من ذكره علاقاته غير الشرعية بدعوى أنها جزء من تجاربه التي أثرت فيه وأثر تكوينه الشخصي فيها وفي علاقته مع المرأة عموما. ولا أدري لماذا يعتبر الكُتاب جهرهم بالكبائر وكشفهم عن ما يعيبهم دينيا وأخلاقيا واجتماعيا من قبيل الصراحة والشفافية؟ لا أعتقد أن معرفة ذلك الجانب من حياته يهم القارئ الحق بأي حال من الأحوال، وأنا شخصيا كدت أن أترك الكتاب لشعوري بالملل واشمئزازي من هذا النوع من الحكايات وبالذات أنها ذُكرت في أول الكتاب ولكنني تجاوزته سريعا لأكتشف أن باقي الفصول مميزة جدا وقُسمت كما الكتاب الأول بحسب الموضوع، فتحدث عن أبيه وأمه بشئ من الاستفاضة عن الجزء الأول، وظروف نشأته وتعليمه والعوامل التي ساهمت في تشكيل شخصيته، وبعثة لندن وزملائه هناك، ومعاناته مع الاكتئاب وغيرها الكثير.
لم أحب كذلك الاستفاضة في الحديث عن زملاء بعثة لندن الذي كان معظمهم دون المستوى بحسب تحليل الكاتب، لم أحب النبرة المتعالية وإعلان تلك المساوئ على الملأ وبالذات أنني تقريبا استطعت تخمين إحدي الشخصيات التي ذكرها.
ولهذه الأسباب تظل حيرتي تجاه السير الذاتية على حالها، أكره ذكر العيوب والمساوئ وما ستره الله عن الأعين على الملأ وبالذات إذا كان لأشخاص كل ذنبهم أنهم مروا بحياة الكاتب؛ وفي نفس الوقت لن تكون السيرة الذاتية منطقية إذا خلت من الزلل.
بحب كتابات جلال أمين. بحب فيها صدقه ��إعترافه بالضعف الإنسان ونشره لتجاربه الحياتية التي أري تشابه كبير بينها وبين حياة الكثير من عامة الناس.
حياة كل إنسان هي تجربة فريدة في تفاصيلها ولكنها شبه متطابقة في خطوطها العريضة.
طفولة، طموح، رغبة في السعي وتحقيق النجاح، تقدم في السن، مرض، عدم الإنبهار بالجديد، خفوت، موت.
ده يمكن اللي بيعجبني دائما في السير الذاتية البعيدة عن الفخر والعجب وما أكثرها. فهي تُريك أنك لست وحدك في الطريق وأن هناك الكثير من القواسم المشتركة بينك وبين الأخرين حتى الذين تنبهر بنجاحهم أو شهرتهم أو سعت علمهم.
شكراً جلال أمين، غير إنه شكر غير موصول ومقطوع حاله حال تجارب الدنيا كلها.
كتاب ممتع للغاية.. أكثر ماأعجبني فيه صراحته التي نجح الكاتب أن يجعلها تلقائية غير مفتعلة.الكتاب ليس بالقصير (455 صفحة بالصور) لكني أنهيته في يومين فقط.
جلال أمين يعطيك خبرة ممتازة مدعمة بأراء ونظرية فلسفية جديرة بالاهتمام.أعحبت كثيرا بتواضع جلال أمين وانتقاده لنفسه فيما يشبه التوبيخ أو كما يقول هو "من أخطأ لابد أن يعاقب والنشر أحد صور العقاب". فجلال أمين يعاقب نفسه علي أخطاءه فنتذكر أشياء مماثلة لنا فنحمر خجلاً ثم نشعر بالمواساة لأننا اذا لسنا الوحيدين اذا , وتكتشف الحقيقة المرة أن الانسان ماهو الا وغد كبير كما يقول أستاذ جلال , واننا في الآخر متشاهبين رغم كل شىء
طٌربت فرحا عند قرائتي للرسائل التي تبادلها جلال أمين مع أخوه الأكبر حسين , والتي كانت للحق جرعة راقية من الثقافة والأدب والتفكير النقدي (critical thinking) مناقشات رائعة حول الافلام السريالية المنتشرة أنذاك في الستينات ومسرح الامعقول ومقال في غاية الروعة عن التفسير الجمالي للموسيقي يطرحه جلال ��مين الذي توصل الي نظرية في التفسير الجمالي للموسيقي فيأخذنا في رحلة من التأمل والفلسفة العميقة طارحًا فكرة استمتاعنا الفطري بالتناسب (symmetry) وصولاً الي نظريته عن دور الموسيقي واي فن عموما في اثارة توقع ثم تحقيقه مع توقف جودة العمل علي درجة التحقيق..
الكتاب بديع فعلا وبه معلومات اقتصادية وسياسية وتاريخية مهمة للغاية وجديرة بالمهمة التي كلف الرجل حياته لدرساتها وهي مشكلة ماذا حدث للمصريين من تغريب أو محو ثقافة أو انزياح طبقي social mobility. وحقيقة أنا قد تعبت من الحديث في هذا الموضوع فلن اتكلم عنه ولكني سأكتفي بذكر أهمية مايقوله جلال أمين في التمسك بثقافتنا أو كما يقول فؤاد حداد في المسحراتي : ... في عصر ذري لازم نقرّي شعر المعرّي لازم نقول ..
عقلك ف راسك تعرف خلاصك تحفظ تراثك تصبر تنول
أصابتي الحسرة كثيرا عند قرائتي لقراءة جلال أمين لحرب العراق الاولي التي لاأذكرها وفي الحرب الثانية أعجبت كثيرا بموقف جلال أمين وتحليله المنطقي الذي ينفي فيه تورط العرب أو المسلمين فيه. أعجبني أيضا "رجولة" جلال أمين في دفاعه عن بيته مستخدما أقصي أنواع العنف المادي كما يقول ورفضه لأن يحصل أولاده علي الجنسية الانجليزية خوفا عليهم من البديل الذي قد يُهمل الي جانبه الأصل , القرار الذي يتغير فيما بعد. وهذه أيضا نقطة تستحق الاشارة اليها وهي مرونة جلال أمين عن طريق رجوعه الي المنطق فهو مثلاً يكتب كتاب في عهد السادات ينتقد فيه بشدة نظام جمال عبد الناصر ويحتفي به العالم كله ولكنه يمتنع عن نشره بالعربية شفقة منه من النظام الحالي الذي بذل مافي وسعه لتشويه صورة عبد الناصر بصورة ظالمة فقرر ان الظروف غير ملائمة وأن عبد الناصر كان أفضل بكثير.
انسانية جلال أمين وصراحته وكآبته هي كلها صور جديرة بالتأمل واحيانا بالمحاكاة , كآبة جلال أمين هي كآبة حكيمة تحمل بداخلها بذور التفاءل , وهو مايشعر به القارئ في الفصل الأخير "لماذا تخيب الأمال " وهو في رأيي فصل يساوي الكتاب كله في قيمته. نهاية رائعة ومدوخة كتبت بطريقة أقرب الي السريالية لتنهي كتاب ومحاولة تستحق الافتخار بها والدعوة الي قرائتها
رحيق العمر سيرة ذاتية للدكتور جلال أمين.. عرفته منذ سنوات في ظهوره على الشاشة كأستاذ لعلم الاقتصاد في جامعات مصر، ومعارضا هادئا لسياسات مبارك ومن سبقه، كنتُ أربط بينه وبين الدكتور المسيري في الهدوء والابتسام..حتى عرفتُ من أمّي أنّه أحد أبناء أحمد أمين، الأديب الذي لا تكاد تجد تلميذا من تلاميذ المدرسة الجزائرية لم يُمتحن بواحد من نصوصه في كل المراحل، ( أذكر في مرحلة المتوسط امتحننا أساتذة اللغة العربية بنص لأحمد أمين مطلعه " لي ولدٌ وحيد' أكثر من مرة وفي كل مرة كان يطلب منّا إعراب كلمة وحيد حتى مللنا😞) أحمد أمين له مكان في قلبي لأنه كان نقيض قاسم أمين، ( هذا مجرد انطباع فلم أقرأ للرجلين أكثر من عناوين كتبهم وصفحات هنا وهناك يكفي أن وجدتُ رابط الكتاب حتى قررت قراءته ظنًّا مني أنّ د. جلال هو الولدُ الوحيد😅، لم يكن ولده الوحيد، بل كان ثامن المجموعة المؤلفة من ستة أبناء وبنتين.. بدأ الكاتب سيرته الذاتية بمقدمة بيّن الهدف الذي حمله على تأليف "رحيق العمر"، إذ لم يكتف بسيرته التي عنونها ب" هكذا علمتني الحياة"، قائلا بأن رحيق العمر، تحوي تطوره الفكري ويمكن اعتبارها الجزء الثاني للكتاب الأول، لكن ليس بمعنى أنه يبدأ حيث انتهى الأول، بل هو كتاب منفصل يمكن للقارئ قراءته مفردا دون العودة للأول، وكأنها نفس الحياة يراها كل من زاويته..كما استعرض د.جلال أهم الانطباعات التّي صدرت عن كتابه الأول، موضحا أنّه ليس بنادم على عرضه لبعض أسرار العائلة التّي تخص والده أحمد أمين وزوجته( أمُّ المؤلف) أسلوب الدكتور أمين مغرق في البساطة..حتّى في عرضه للأفكار الفلسفية والاقتصادية تجده يحافظ على ذلك الأسلوب، ما يجعل قراءة الكتاب ممتعة سهلة، تدعوك للقراءة باسترسال( لولا لعنة الpdf) قسّم الكاتب سيرته لعناوين معتمدا على مراسلاته مع شقيقه التّي دامت أكثر من خمسين عامًا.. * من يحبُّ مصر سيجد لذة كبيرة في القراءة عن عهدها الذهبي نهاية الأربعينات ومطلع الخمسينات( يخيّل لي أن مصر في تلك الحقبة شقة مرتبة أنيقة 😅) * من خلفيتي عن والد الدكتور جلال والدكتور عبد الوهاب المسيري، مررتُ ببعض المحطات في حياته أدهشتني( وأحزنتني) مشاعري كانت أشبه ما تكون بمنحنى إصابات الجزائريين بفيروس كورونا، صعودا ونزولا يوما بيوم.. *الدكتور وضح بالتفاصيل مساره الدراسي ووضح كيف أن المركز الأول كان من نصيبه في كل السنوات، ( قال: كان ذلك قضية وجودية بالنسبة لي) مبررا أنّ مرتبته كٱخر العنقود جعلته مهملا في نظر أمه وأبيه( طلب والده من أمّه إجهاضه، ورفضت هي لأن كل ذكر تنجبه يجعلها تسجل هدفا في حربها مع أخت زوجها) هذا الشعور بالإهمال لازمه دهرا وكان له عميق الأثر في كثير من أفكاره ورؤاه.. *الكاتب تخرج من كلية الحقوق وعمل في وظيفة حكومية ( راتبه كان 40 جنيها) بعد عام نجح في الحصول على منحة ليدرس في كلية لندن ماجيستر ودكتوراه، توظف بعدها في الجامعة أستاذا ( مرتبه 37 جُنيها!!)
تعجبني الغيرة التي يحملها جلال أمين على حضارتنا العربية وتراثنا ، وهذا ما لمسته في هذه التحفة ..
○
أدهشتني صراحته ونقده الواضح لذاته وأثر فيني بشكل واضح .. بل وفي طريقة قراءته للأحداث ..
مثل نكبة الكويت وشكوكه حول صدام حسين حيث يرى أن صدام كان ينفذ مخطط أمريكي في حربه ضد إيران وحتى دخوله الكويت ..
وأحداث ١١ سبتمبر لم يقبلها منذ البداية وكتب مجموعة كتب ناقش فيها الموضوع منها :
عولمة القهر عصر التشهير بالعرب والمسلمين خرافة التقدم والتخلف
فهو يشكك أساساً بوجود القاعدة ، ناهيك عن أن يكونوا هم بالفعل من قام بالتفجير ، خصوصاً أن الأمريكان كانوا يرفضون أي تفسير غير تفسيرهم ..
وبطبيعة الحال قام "الإنسانيون" بإستغلال هذه القصص ونهب ثروات العراق والأفغان لتحرير شعوب المسلمين من هذه العصابه ..
لك أن تتخيل عزيزي "المنبهر بالغرب" أنك فقدت شخص يعزّ عليك فراقه أو أن ترى شخصاً يغتصب أمامك وتهان كرامته ويتم تصويره ونشرها عبر وسائل الإنترنت وبجانبه ضابط أمريكي مبتسم وبكل برود ..
يمكن العودة للصور بالحث عبر قوقل عن سجن أبو غريب
○
يقول والده أحمد أمين إن تعرية الجسد تصعب على العاقل فكيف بتعرية النفس ، لكن جلال أمين لم يلتزم بهذا وعرى نفسه بشكل صادم فذكر مغامراته الجنسية في سن المراهقة وحتى في فترة إبتعاثه في الخارج
○
أعجبتني طريقة تفسيره لكيفية إقتناعه بالفكرة ، فمعروف عنه أنه ضد الحضارة الغربية وعندما ناقش السبب كان صريحاً عندما قال أنه في الغالب سبب نفسي ولا عقلاني ، ولكنه لم يشذ عن غيره من الناس فأصل كل إقتناع بفكرةٍ ما هو باعث نفسي لا يدركه الإنسان ..
ويعتقد أن التغيير السريع الذي حدث بعد تولي السادات رئاسة الجمهورية كان أحد أهم هذه الأسباب فزيادة توجيه المجتمع للتغريب والضغط بكل الوسائل لتحويلهم إلى مجت��ع إستهلاكي يشبه الغرب في اللبس والبنيان والشوارع جعله يتمسك بالهوية وصارت شغله الشاغل من ذلك الحين حتى اليوم
○
تمنيت لو لم ينتهي الكتاب ولكن ما يسعدني هو أن هناك جزء ثالث بعنوان "مكتوب على الجبين"
* الحقيقة أن قراءة السير الذاتية يقفز بالوعي لأماكن لم تكن تتصور أن تصلها إلى بعد عمر وقد لا تصلها
هل من المنطقي أن تستمتع بكتابين لنفس الكاتب يحكي فيهم سيرته الذاتية؟ ألا يكفي "ماذا علمتني الحياه؟" .... الأجابة أتت بعد الصفحات الأولى من الكتاب ألا و هي بالطبع استمتعت.
هنا تتم المناقشة لا بالترتيب الزمني بل بالأحظاث أو المواضيع، و هذا ما يميز الكتاب. كثير من الأمور التي ذكرت في الكتاب الأول ذكرت لماما او باختصار شديد، هنا نستفيض فيها، نرى أفكار الكاتب و تأملاته في الأوقات المختلفة، نرى مواقف مر بها و تركته بدروس، نعيش معه بأسلوبه العذب و لغته البسيطة القريبة للقلب كل ما واجهه.
أكثر ما يمتعني أنني عندما أتلقى الأفكار منه و كيف يحلل الأمور، أتأملها انا كذلك، و ابدأ في تكوين رأيي الخاص، سواء في الأحداث السياسية و الفكرية، و من ما جعلني اتأكد من ذلك، أني و للصدفة البحتة في يوم إنهاء الكتاب ذهبت إلى الجامعة الأمريكية لغرض ما، ولا أعلم لما استرجعت الكثير من ذكرياته و أفكاره و زاد تصوري عنها سواء الإيجابي أو السلبي. الكتاب بجانب أنه ممتع أشد الإمتاع فهو دائما ما يترك لك المجال للتفكير في أحداث معينه ولا يفرض رأيه عليك بل ينتقد رأيه وقتها في معظم الأحيان.
بالنهاية أكبر درس مستفاد من الكتاب، هو التفكير في دورة الحياه، التي نعلمها كلنا و لكن نحاول التغاضي في التفكير فيها، نتأمل في حياه إنسان بمعاييرنا أظنه ناجح، و لكن يظهر لك دائما ان الحياه تتغير و بها الجيد و السئ و أنك دائما ما ستمر بمراحل عمرية تتغير فيها أشد التغيير. في الفصل الأخير، "لماذا تخيب الآمال" يلخص الكاتب كل تجربته و يتركك بابتسامة بسيطة لا تعلم هي فرح ام حزن ام حسرة، و لكن يتركك سعيدا في النهاية.
من الممتع ان تقرأ سيرة ذاتية خصبة وممتعة لكاتب ومثقف ومفكر كبير كجلال أمين، حيث يروي في سيرته الذاتية تلك " رحيق العمر" والتي تعتبر الجزء الثاني لكتابه "ماذا علمتني الحياة" -والمستقلة عنها حين تقرأها-، اهم جوانب حياته الثقافية والفكرية والمواقف التى أثرت في تطوره الفكري في المراحل العمرية المختلفة التي مر بها، وكيف أدى تطوره الفكري هذا إلي تطور كتاباته والأفكار التي اعتنقها ، والمبادئ التي آمن بها، لتجد نفسك أمام كتاب رائع، فيه من خبرات الحياة، وعصارة الثقافة والفكر والأدب، ما يسر النفس، ويشحذ الفكر، ويرضي شغف المعرفة.
كم جميلا أن نجد في حياتنا الفكرية والثقافية والعربية مثل جلال أمين، وكم هو مؤسفٌ أن تُهدٓر تلك القيمة العظيمة في إدارة مصر السياسية والاقتصادية، والثقافية أيضاً.
الكتاب لم يضف لي الكثير .. صراحة حين ا��تريته ظننت أن د. جلال أمين سيستكمل ما لم يأت على ذكره بالتفصيل .. أي أبنائه وكيف اتفق على أسلوب تربيتهم مع والدتهم مختلفة المنشأ والثقافة والجذور والديانة والتحديات التي قابلته في تربيتهم واختيارهم لتخصصاتهم حيث أنه ذكر في الجزء الأول الكثير من تفاصيل حياة أخوانه وبعض أبنائهم وحتى والديه رغم أن والده كان شخصية عامة وهو الأستاذ جلال أمين لأنني بصراحة كأم لعدة أبناء أحتاج لخبرة كتلك لمواجهة التحديات التي أصبحت كثيرة في زمننا هذا.. كما لم يرقني كثيرا كشف ما ستره الله( وهو معروف ضمنافي هذه المرحلة السنية للبعض) ذكره زياراتهم لسيدة في عابدين ولكن أعجبني فعلا الفص�� الأخير ففيه خلاصة تجربته وحكمة السنين
اعجبني في الكتاب سردة لحقبة مهمة من تاريخ مصر كانسان عاشها بافكارة هو اللي قد تختلف او تتفق مع��ها لكن في الاخر هر رؤيته بكل بساطة و صراحة ..جلال امين اكتسب شهرة عريضه ممكن مؤخرا لكن هيفضل كتبة لها طابع مميز و مختلف ..مواقف بسيطة ممكن يكون اي واحد بيشوفها زي جلال امين و لكن مش بنتكلم عنها..
"رحيق العمر" صفحات سيرة ذاتية كتبها الأديب جلال أمين عن حياته وعن المسببات الأساسية في تكوينه الفكري .. من أمتع كتب السيرة التي قرأت .. اتسمت سيرته عن نفسه بالصراحة الشديدة .. بدأها بالحديث عن بيته .. والده المفكر والأديب أحمد أمين .. ووالدته .. وإخوته السبعة .. أحببت حديثه عن والده الذي كثيرا ما كان يردد بأن "الولد مجبنة مبخلة" .. أي أن من له أولاد يميل إلى أن يكون أكثر جبناً وأقل كرماًممن لا ولد له . استغرب جلال أمين حينما أصر مجموعة من أصدقائه في صغره على مقابلة والده .. الذين زاد إعجابهم بوالده وبفكره بعد انتهاء اللقاء .. ويقول لاحقاً أني استغربت ما شعرت به وقتها من استغراب .. قبل دخول والده للمستشفى لإجراء عملية أخذ يعبر لأبنائه عن أسفه لأنه لك ينفق معهم الوقت الذي كان يجب أن ينفقه في الحديث معهم وعلى عدم تشجيعه لهم للبوح بمشاكلهم .. واعتذر أكثر من مرة بظروف نشأته ونوع معاملة أبيه له وكان يذكر أبناءه بالمسافة الاي قطعها بين طريقة معاملة والده لأولاده وطريقة معاملته هو لأبنائه وأن هذه المسافة اكبر بكثير مما يتصورون وأن أبناءه لا يعرفون حجم الجهد الذي بذله للتكيف مع تغييرات الحياة ..تحدث كيف أنه لا ييخل بالدفع على الصحة و��لتعليم لأبنائه في أي وقت كان تحدث جلال عن استقباله لخبر وفاة والدته والذي ظل لسنوات يشعر بالذنب لضعف استجابته لمشاعر الحزن حينها .. تحدث في كتابه عن أحد معلميه الذي كان يعتبره رائدا في التعليم حيث كان يثير في أذهان طلابه الأسئلة قبل أن يبدأ بالشرح .. مع اعتقاده بأنه إن لم يكن في ذهن الشخص سؤال في الأصل ،فليس هناك جدوى من إخباره بالإجابة . عرج على مراهقته .. وقلة خبرته .. حتى بدأت بعثته وسلسلة أسفاره التي كانت سبباً في الكثير مما ورد في كتابه .. وتعرف فيه بعثته على (جان) زوجته التي أحبها .. والتي عرفت أخلاقه وعرف أخلاقها وتكشفت لها ميوله وتكشف له ميولها ، وحدثت المصالحة والتفاهم فتنازل لرغباتها وتنازلت لرغباته فكانت عيشة هادئة سعيدة ." يقول جلال " كنت من غفلتي أعتقد أن العقل وحده الوسيلة الطبيعية للتفاهم ،فإن حدثت مشكلة احتكمنا إليه وأدلى كل منا بحججه فإما أقتنع وإما أُقنع، وإما أصر وإما أعدل ،ولكني بعد تجارب طويلة رأيت أن العقل أسخف وسيلة للتفاهم مع أكثر من رأيت من السيدات " وراسل أخاه حسين متحدثاً في رسائله عنها وعن أمور كثيرة متعلقة بالأدب والفن ومصر .. ناقشا كثيراً المسرحيات والأفلام التي كان يحضرها في بعثته .. وصف اكتئابه الذي عانى منه فترة من الزمن قائلاً.. لست واثقا حتى الآن من سبب وقوعي في هذه الهاوية السحيقة من الاكتئاب ،وهو بالفعل كالهاوية السحيقة ،إذ مهما حاولت التسلق للصعود إلى السطح كانت محاولاتي تبوء بالفشل إذ سرعان ماتنزلق أصابعي وتنفك قبضتي عما كنت أمسك به، فأعود إلى السقوط إلى القاع..ومن سمات هذه الحالة فقدان الإرادة أو الضعف الشديد الذي يصيب القدرة على اتخاذ أي قرار ،مهما كان بسيطاً ومن ثم التردد الشديد حول أي عمل كان المرء يتخذه قبل ذلك بسرعة وبمنتهى السهولة وبدون تفكير ..والأفكار السيئة تتلاحق كل منها يقوي الأفكار الأخرى فيزداد التشاؤم وتعود من جديد الرغبة في البكاء ..ويؤدي كل ذلك إلى أن يتطور شعور المحيطين بالمرء إلى شعور بالملل والضيق وقلة الصبر ،إذ تصبح صحبته باعثة بدورها على الرغبة بالبكاء وتنفذ كل وسائل التخفيف عنه وييأس الجميع من إصلاح أمره ..لا يأكل المرء إلا مرغماًويصيب الجسم الهزال.. كنت عبئا ثقيلا على الآخرين لا أستجيب لشيء مضحك بالضحك ..ولا أدلي برأي عندما يتطلب الحديث رأياً وأسكت حيث لا ينتظر أحد سكوتي. ختم الكتاب بفصل ممتع عنوانه (لماذا تخيب الآمال) .. فقال فيه " الحياة لم تعاملنا المعاملة الاي كنا نريدها أو نتوقعها ..بل أساءت إلى صحة بعضنا ..الجسم يضعف والأحباب يتفرقون .. الناس يحتاج بعضهم بعضاً بشدة ولكنهم أيضا لا يطيق بعضهم بعضاً ..ذكر قوة الخيال التي تدفع الإنسان إلى أن يمتد بآماله إلى آفاق بعيدة ،فلا يتوقف عند الآمال التي يمكن تحقيقها .. عرج على قانون باركنسون الذي يقول بأن الشخص يظل يترقى في السلم الوظيفي حتى يصل إلى أعلى مستوى من "قلة الكفاءة ". ويختم بالموت فيقول "فكرة الموت أصبحت تحزنني أكثر ولكنها تخيفني أقل ".
انتهى الكتاب .. وكانت قراءته متعة .. تشعرك بأنك تعيش مع عائلة الكاتب وتتشارك معهم حواراتهم وأفكارهم ورسائلهم ..