يتناول الكتاب النظام السياسي في الإسلام من وجهة نظر مفكرين مشهود لهما، من تيارين متبايتين، وقد كتب كل منهما بحثه مستقلاً عن الآخر ، ثم أعطي كل من البحثين ليعلق عليه، وينشران معاً في هذا الكتاب. ويعرض للنزاع بين يعتقد أن في الإسلام نظاماً سياسياً للحكم، محدداً يتحتم اتباعه، قائماً على أحكام الشريعة الإسلامية، يشمل الدين والدنيا معاً يضل من خالفه، وبين من يرى الأخذ بأي نموذج للحكم السياسي يعتقد صلاحه من الوجهة العقلية. ويبين طبيعة هذا النزاع داخل الفكر الإسلامي نفسه وخارجه، ويشرح مفهوم النظام السياسي. ويبحث في الإسلام ديناً وحضارة، وفي تراث الإسلام السياسي، أي الطابع التاريخي لأديبات السياسة والدولة، والأتوقراطية الإسلامية، وجدلية الصراع السياسي، وطريق بناء المستقبل، وإمكانية نشوء دمقراطية إسلامية. ويتناول الإسلام ديناً ودولة ، وقيماً ملتزمة، ومكانة التعددية السياسية فيه، والمرأة والعمل السياسي، وحقيقة مسألة الوعي بشمول رسالة الإسلام أم عدم الوعي بها، وحقيقة النبوة وأنها وحي ملزم لا ثورة خارجة على الدولة والمجتمع. ويناقش مسألة تجديد النظر في مكانة الدين في الدولة والمجتمع، من الإسلام الدولة إلى الإسلام الجماعة ، ويبحث في وضع غير المسلمين في الدولة الإسلامية المعاصرة، ومسألة العلاقة بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية.
محمد سليم العوَّا محام بالنقض ومحكم دولي، أستاذ جامعي سابق، ومفكر إسلامي مصري كما كان يشغل منصب الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس جمعية مصر للثقافة والحوار متزوج وله ثلاث بنات وولدان، وسبعة من الحفدة. تميز فكره بالاعتدال والتركيز على الحوار لا الصدام بين العالم الإسلامي والغرب، حصل على دكتوراه الفلسفة (في القانون المقارن) من جامعة لندن، له أكثر من مائة مقال في المجلات العلمية والمجلات الدينية والثقافية، كما نال عدة جوائز علمية ودعوية وخيرية منها جائزة حاكم عجمان للشخصيات العالمية والدعوية كما له العديد من المؤلفات والبحوث.
كثير من خلافاتنا كانت لتزول لو وقفنا على أرض لغة واحدة .. كلا البحثين مفيد و متّزن بعيدا عن التعصّبات و الأحكام المسبقة التي تغلب عند نقاشات الاتجاهات المختلفة مع هذا الموضوع , ليس المطلوب أن تكون مع اليمين أو مع اليسار ... ولكن أن يستثيرك الرأي إلى مكامن الصواب و الخطأ و الشبهة و البحث في كلا القطبين .
الكتاب هو عبارة عن ورقتي بحث لكل من المفكرين ثم تعقيب لكل منهما على ورقة الآخر
تكمن نقاط الاتفاق بين المفكرين الإسلامي وهو الدكتور العوا والعلماني وهو الدكتور غليون في وسطية كل منهما وعدم تطرفه.. فكلاهما يؤمن بإمكانية نشوء حركات سياسية ديموقراطية إسلامية تشارك بشكل فعال في السياسة في المستقبل القريب
كلاهما يؤكد على فكرة عدم وجود نظام سياسي محدد وواضح وضعه الإسلام وإنما على وجود مبادئ عامة يؤكد عليها الدكتور العوا في ورقته مع ترك حرية الاجتهاد في كل عصر، وبالتالي ليس من الضروري أن نأخذ التجارب التي مرت في تاريخ المسلمين على أنها صواب يجب أن يطبق اليوم
المبادئ الإسلامية في السياسة التي ذكرها العوا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الشورى، العدل، المساواة، خضوع الحاكم للمساءلة.
الاختلاف الواضح هو مسألة القوانين والتشريع وكيفية ملائمتها مع التشريعات الإسلامية، ومن الذي يضعها في الدولة الإسلامية إن وجدت
وحتى مصطلح الدولة الإسلامية يعترض عليه الدكتور برهان كون الدول في عصرنا يجمع بين أفرادها علاقة مواطنة وليس دين أو عقيدة وإنما يفضل مصطلح الجماعة المسلمة أو الحزب الإسلامي
الكاتبان معتدلان، أسلوب الكتاب جميل، والأفكار مفيدة وجميلة وخالية من التكرار تقريباً. رغم اختلاف توجه الكاتبان، غليون علماني والعوا اسلامي، الا ان الكاتبان يتفقان في كثير من الأفكار. لكن يمكن رؤية اختلافات جوهرية مثل هدف الدولة والسياسة ومبادئها الأساسية . فهي الحرية عند غليون، وتطبيق الإسلام عند العوا. لكن أظن انه بمزيد من النقاش يمكن أن يتم الوصول إلى صيغة أكثر شمولاً وتقارباً بحيث يمكن للإسلاميين والعلمانيين أن يتقبلوا بعضهما. وهو الذي لم يصل اليه الكاتبان. كان قسم برهان غليون أكثر صعوبة وطولاً، واتفقت معه على الكثير من الأفكار، لكن في النهاية انحرف كثيراً عما يمكن أن أقبله.
هذه السلسة (حوارات لقرن جديد)، تؤكد كيف أن الحوار بين مختلف ممثلي التوجهات الفكرية المختلفة ممكن ، بل وضروري
حوار لا يحده أي سقف سوى تعزيز المشتركات والعمل على توسيع مساحته ، والالتقاء واعتبار الاختلاف هو الشاذ الذي يجب ان نعرف كيفنحترم حقه في الوجود . حوار لا يكمم بالاتهامات المتبادلة المبتذلة ، من تكفير وتفسيق وتخوين ، والتخلف والرجعية وما الى ذلك من الاتهامات المختلفة الدارجة اليوم على السن مختلف التوجهات الموجودة على الساحة العربية
بحثان رصينان ، تميزا معا بأنهما أقرا بأن المسألة ليست حتميات في معظمها بل هي اجتهادات تحمل في طياتهاما يرومان فيه الخير والأفضل لظروف عصرنا ومجتمعاتنا الحالية
لن أعرض هنا لمناقشة أراء كل منهما وأين أرى نفسي أقرب (ان كان يحق لي ذلك أصلا أمام هذان القامتان العظيمتان)
ولكن ما أحب أن أرى هو احياء من جديد لمشاريع لمثل هذه المنشورات الحوارية
اراء برهان غليون و العوا معروفة منذ سنوات قبل كتابة هذا الكتاب و لكن ما استوقفني هو التعقيبان فتعقييب غليون على العوا و اثارته لشبهات-او بالاحرى هنا مخاوف- دفعها العوا في طرحه الأول يدل على ان بعض الاشكاليات كحقوق غير المسلمين و استقلال الارادة التشريعية و عدم تحولها بفعل المرجعية لحالة تشبه الحالة الإيرانية ، لن تزول سوى بالتطبيق فستبقى مطروحة في إطار الأفكار على الدوام لأن الشك يملأ الطرفين و التجارب السابقة لا تساعد على بناء الثقة اما بالنسبة لتعقييب العوا على غليون فهو يبرز استمرار مخالفي الفكرة الاسلامية في استحضار الروايات الشاذة من التاريخ الاسلامي و وجود نزعة مادية في التعاطي مع الأسلام