كانت لحظة مربكة أن يكون خلاصنا حين نعطي ظهورنا للوطن، حين نهرب منه بكل ما نملك من خوف وأمل وشك ويقين. تذكرت مقولة كداني حين تملكه اليأس ذات مرة: «الوطن كذبة بيضاء، يروّج لها البعض دون شعور بالذنب، ويتلقفها آخرون دون شعور بالخديعة». اقترب السودان أكثر، فبدأت إرتريا في الابتعاد، أنانية هي الأوطان، لا يأتي وطن إلا حين يغادر آخر. أجزم أن هؤلاء الذين يركضون إلى جواري، وبقدر رغبتهم في الإفلات من الوطن يشعرون بالألم. بقدر حرصهم على الحياة خارجه، يفزعهم أن يموت يومًا بداخلهم، أو يتسرب بهدوء من بين ضلوعهم قبل أن يتمكنوا من دسه في آخر مخابئ الروح. أجزم أن هؤلاء يغادرون إرتريا والخيبة معلقة بجباههم، كأجراسِ كنائس الأحد، لا تكاد تهدأ، حتى تعلن عن نفسها من جديد. أجزم أن الوطن الذي ضاق بناسه إلى هذا الحد، صار وسيعًا جدًا بالأوجاع.
- "مرسى فاطمة" اسم غريب لرواية غريبة عن بلد غريب، ذلك ما شجعني على قرائتها ولم اندم.
- بناءها جيد، محركها الحب الضائع، طريقها بين العاصمة ومعسكر التدريب الى الحدود فالسودان فالعودة الى نقطة البدء.
- فلسفتها دائرية، فكل شيئ عاد الى نطقة الإنطلاق، وهذا ما ازعجني فيها، فبهذه الفلسفة سنبقى كما نحن، ندور في دوائر مفرغة من المحيط الى الخليج!( ونحن ندور!!).
- القصة سهلة اللغة، عميقة الصور، كلاسيكية من حيث البحث عن الحبيب اذاما اختفى! كأني بجميل بثينة يردد ("فإن امت يتبع صداي صداك بين الأقبر!).
- الشخصيات: متعددة وادوارها ممتازة، خصوصا صديقه في المعسكر، المثقف المحنك وصديقه في المخيم. ادت الشخصيات دورها بإمتياز، وقال الراوي على لسانها معظم ما يفكر به. لما لم يسمي البطل؟ هذا ما وددت لو اعرفه رغم اعتقادي ان اغفال اسمه ليكون نموذجاً لكل فرد غادر ارتيريا!...
- الضعف كان في تعليل الإختفاء ذاته، لماذا لم ينتظر اكثر؟ الم تكن رفيقة لسلمى تستطيع اتيانه بالخبر اليقين مثلاً؟ ثم اذا كانت قد لحقت به لما لم يلتقيا وقد امضى وقتا وخصوصا في ساوا؟! كان يجب حبكها اكثر في هذه النقطة بالذات. الراوي يندب حظه كثيرا لكنه كان محظوظاً جدا في هذه الرواية، في المعسكر والخطف وحتى مخيم اللجوء والعرض الذي قدمته له كارلا الإيطالية(وهذا غريب لأنها لا تملك هكذا قوة!) فكانت نقط ضعف ثانية في الرواية.
- وصف سلمى: تكرر ذاته عدة مرات، بالطبع الوصف لغويا جميل، لكن اعادته ذاته في كل مرة اضحى رتيباً. العشق يخلق لك مصطلحات جديدة في كل مرة. والكاتب موهوب، كان يمكنه ان يصفها من دون التكرار.
- الربط بين الوطن والحبيبة كان رائعا.
- وصف اللاجئين ومعاناتهم وتجارة البشر كان ممتازاً ومؤلماً، كذلك النقد للهيئات الدولية كان بمكانه.
- "الثورة المسروقة" او الأحلام المسروقة هي مصيبة معظم شعوبنا وشعوب "العالم الثالث"، في النهاية البطل يستشهد والجبان يروي قصته ويستلم مركزاً سياسياً!!
- "اسرائيل"، في كل محنة لا بد ان يكون لها دور، او تواجد، وكم احيي الراوي على هذه اللفتة في حين ان كثر بدأوا يتناسوها!! وهم اقرب!
- في النهاية الألم والوجع واحد، التشريد والتهجير واللجوء واحد، المعاناة واحدة.. قد تختلف التفاصيل لكن المصيبة تجمعنا كلنا... وحدها المصيبة ه�� التي باتت تجمعنا
لا عليك. حين يحكَم القاضي ضميره. لا يعود يضره شيء. لكني حزين على هذه البلاد و أنا أراها تحيد عن الطريق التي اخترناها في أول البذر. حزين لأننا بدأنا نرتدي ثيابا تضيق بكل أولئك الذين مضوا بملء إرادتهم كي يتركوا لنا مكانا أكثر رحابة. حزين لأن إريتريا اليوم أقسى منها حين راودتنا فكرة التغيير. كانت لحظة مربكة أن يكون خلاصنا حين نعطي ظهورنا للوطن. حين نهرب منه بكل ما نملك من خوف و أمل و شك و يقين. شعرت بالشوق لمرسى فاطمة يتسرب عبر كل المسامات ليملأ روحي و وجداني. اشتقت إلى أوقات الظهيرة فيه و أنا أسابق أنفاسي للقاء سلمى. اشتقت لناسه الطيبين و هم يظللون المكان بالمودة. اشتقت إلى شعوري الكبير فيه بالأمان و حجم الألفة التي كان يلقاني بها كلما أردته. و اشتقت إلى سلمى التي جعلتني اشتاق إلى كل ذلك. سلمى تميل إلى الطول. سمرتها صافية و شعرها أسود كثيف. على تخوم شفتها العليا شامة خفيفة. و لها لثغة ساحرة في الراء. عيناها لؤلؤتان لا تمل. في القلب منها حدائق لوز. جبينها لا يكف يحكي بشغف قصة ضياع العشاق. و على خديها حطت حمائم الغرام و قد أنهت أطول الهجرات. يداها وطن دفء ينهي صقيع اغترابي. و على صدرها تنام الأمنيات غير عابئة بالمستحيل. و من ضحكتها الصافية تجري ينابيع البهجة. و لحضورها ألق يصبغ الزمان و المكان. يحيل لحظاتنا إلى ذاكرة عصية على الزمن. حين تأتي لايعود شيء أخر أكثر سحرا و وهجا. الهزيمة تفقدك توازنك. تطرحك أرضا. تحرمك لذة الدهشة. و شهوة الاكتشاف. تقتل فضولك فتنكفيء على ذاتك المنكفئة أصلا على أحزان قديمة. الهزيمة تبقى على ملامحك. لكنها تسلبها الإحساس. فتغدوا باهتا فاترا و مشدوها. الهزيمة تحصر اختياراتك في أكثر الأمور مرارة فلا تعود مترفا بما يكفي لاختيار أقلها سوءا. تتسلل حميمية الأماكن إلينا ببطء. حتى تلك التي لا نشعر بود كبير نحوها. تستقر تحت جلودنا. تختبيء في زوايا قصية من وجداننا. حتى إذا حان موعد فراقها خرجت في كامل زينتها لتخلق حالة تأبين مؤثرة. الحياة داخل دائرة مهما بدت كبيرة لا اعتبار فيها للزمن. بعد أن استأثر المكان بكل شيء. رغم كل الألم. وحدها الدائرة تمنحك هذا الشعور بالاعتياد لفرط انتظام كل شيء فيها و تكراره. إلى جانب مرسى فاطمة. بدا ساوا دائريا أيضا. الجنود و الخيام و العذابات. و حتى الجبال التي في طريقها للهدم بمعاول قاصرة. مثله كان الشجراب. غير أنه تفرد بتشعب دوائره. الواحدة تفضي إلى أخرى دون أن تفضي جميعها إلى شيء. حتى سلمى. كانت دائرة وسط كل تلك الدوائر. غير أنها كانت تتبع مسارا مغايرا. لهذا لم أعد حزينا و لا مس��عجلا. بل و أصبحت ساكنا للغاية. لأن سلمى. حتما. ستعاود المرور بمسارها الذي سلكته أول مرة. هنا في مرسى فاطمة. حيث تبدأ كل المسارات. و إليه تنتهي.
أفضل ما يمكن أن تفعله لنفسك أن تقرأ، هكذا همست لنفسي يومًا، لماذا؟ ببساطة .. حتى ألتقي نصوصًا تحملني للعوالم التي أحلم بها، تتلقفني من كساد انتظاري كما أتلقفها، احتشد بها وتحتشد بي، القراءة مرساك و مرساي، و نحن لا نترك مرسانا لنبحر نحو المجهول، فذلك عناء دون طائل، نحن نقف في المكان الصحيح حيث بدأت حكايتنا، حيث أرست أسسها و تعثرت أقدارنا بعضها البعض، هكذا وجدت فكرة العمل الإبحار للمجهول دون داعٍ في حين كان يجدر بإيماننا أن يبقينا، مرسى فاطمة حيث يتلاقى بطل الرواية بمحبوبته سلمى للمرة الأولى ويعيشان طيشهما ويقرران أن يختتما علاقتهما بزفاف مباغت يضاعف من قيمة مرسى فاطمة في أعينهما، وحين تكون البداية بهكذا مرسى .. أكان يجدر به الشك أنه المرسى الذي ستعود له محبوبته مهما رحلت عنه! هو مهد عشقهما الآمن، المرسى كما يجسده حجي جابر هو الشارع الذي يقع بقربه مقهى مودرنا في روايته الأولى "سمراويت"أذكر كم لفت نظري اسم هذا الشارع وأنا أقرأها، ذلك الوجوم الذي يصيب الروح عندما تمر ب اسم بحجم الكون، بحج شهقة مجهولة المصدر لا تنسى خوفك من أطلاقها من زوايا رئتيك .. صحيح .. ربما لدي نقطة ضعف أمام النصوص التي تحمل اسمي، ولكن انتقاء العنوان جاء موفقًا هذه المرة مقارنة بروايته الأولى- بالنسبة لي - فهو يبحث عن المرسى بالفعل ولا يهم أن تلاقى مع حبيبته في النهاية بعد ما لف حول الكرة الأرضية ، يكفي أنه عاد للمكان الصحيح .. هذا هو المخرج المقنع من دوامة البحث الغريبة التي جرفته.
رغم أن عناوين روايات جابر ترتبط بشكلٍ أو ب آخر بالوطن- سلِم لنا الوطن- ، هو ينبش عن هوية الوطن في غموض النساء و أُلفة الأمكنة! و أي مكان أفضل من هذين الخيارين للبحث عن الوطن! هما الأقرب للمنطق .. لكن الحل الأسلم و الأكثر مبادرة و جرأة يكمن أحيانًا في الهروب من المنطق اللعين ، لإن هذا التكرار هو ما يُصعّب النجاح على هذه الرواية والقادم من الروايات، فنكون ملزمين بالقليل من التغيير تصاعديًا، المشجع أن روج الحكمة حاضرة و السرد صحي للغاية و النضج الكتابي جاء واعدًا كما توقعت وهذا ما يصبّر القارئ على القليل من الإخفاقات هنا وهناك ، كالنزعة المثالية لدى البطل أينما حل، البطل ليس هو المصلح أو المصحح بقدر ما يجب أن يكون المربك لرتابة المواقف و المحرر للكبت الذي حوله من أعماق الشخوص، و كذلك يتبقى أن يثق حجي بذكاء القارئ و لايستهين به .. فما من داعٍ للعودة للوراء لتفسير حدث ما ( كالعلامة في كتف طفل أم أوّاب والتي تبحث عنها الأم في كل غادٍ و رائح) ( او التعاطف الذي تبديه أم أوّاب مع البطل لمعرفتها انه يبحث عن زوجته الحامل وًهي التي فقدت طفلها) هنالك أشياء لا يجب تبريرها خصوصًا إذا ما سبكها الكاتب بشكل محكم هنا يأتي دور ذاكرة القارئ التي تستدعي الأشياء وتدرك أن الكاتب ترك لها قطعة سكر مسبقًا فتتدوقها على مهل، ثمة سؤال يحيرني ولا ينفك يفسد علي استمتاعي بأعماله: ماذا سيحدث لو تتالت إصدارات حجي جابر من ذات المصنعية الأرتيرية ؟ هو أمرٌ عادل تركيزه على قضاياه التي تسترعي اهتمامه ولكن إلى متى ؟ لا نستطيع تحديد توجهه ولكن ربما يبتعد عن اهتمام القارئ العربي الذي تثيره القضايا المشتركة! الكثير مما يستحق المناقشة هنا و الأهم أنها رواية تستحق التأمل ولعل القادم أجمل .
مقتطفات:
أن تدفن في أرض غير أرضك يعني ان تموت مرتين ، و الأرواح لا يسعها ذلك!
الرجال يقاسون بحجم آلامهم .
لم يحدث ان تكيّف طائر مع قفص، مهما طال به الأمد.
لا يوجد أقسى من المفاضلة بين وجعين.
أسرائيل عدو لا يجب أن نُصَدّر له أشخاصًا كاملين .
الوطن مهما قسا هو جزء منا، مجرد التنكر له يشبه مريضًا يريد التخلص من وجع يده بقطعها.
حزن العيون مراية القلب النظيف.
لن ترتوي ما لم تعرف سبب عطشك، فقد يموت من الع��ش من يجاور البحر الفسيح.
ما أقسى هزيمة آخر المشوار، ما أقسى ألا نصل، ما أقسى أن نصل ولكن للوجهة الخاطئة، ما أقسى أن نتوقف طواعية، أن نفقد إيماننا بما مضى أو ماهو آت.
كم هو غريب أن ندفع الثمن مرتين رغمًا عنا، مرة للحصول على شيء ، و مرة للتخلص منه.
يا لهذا الوجع، والمشوار لا يُحصي خطواتي. يأخذ مني عوض أن يعطيني. يُفنيني ويقتات على يقيني. يا لهذا الوجع، فاتحة الطريق ومنتهاه. دليله، وناسه. أيامه، ولياليه. يا لهذا الوجع، وقد غدا كل شيء يا لهذا الوجع يا سلمى يا لهذا الوجع يا حجي جابر.
أحيانًا تكون هناك دول محظوظة ودول منكوبة. شعوب حالفها الحظ وشعوب عاندها.
أقول أحيانًا، لا يعدو الأمر عن كونه حظًا ولا شيء آخر فمالذي فعله الكوري ليجد نفسه في الجنوب، يعيش في ظل دولة عصرية منفتحة. ومالذي جناه الكوري الآخر ليجد نفسه يرزح تحت وطأة دكتاتورية متحجرة؟
مالذي بذله العرب ليتكوّم النفط تحت ثراهم ومالذي اقترفه الهنود الحمر ليجدوا أنفسهم في مواجهة مستعمر أجلاهم وأفناهم بأسلحة لا قبل لهم بها؟
مالذي يستحقه الشعب الإريتري، الذي ناضل في سبيل التحرير، واستُشهد من أجل الاستقلال سوى دولة تحفظ كرامته الفطرية، تبقيه في أرض أجداده وتطعمه من ثرواته، كلها حقوقه وليس لأحد عليه منّة. هل هذا كثير عليه؟
المرسى يمثلُ لي دومًا الوَطن وفاطِمة اسم أثير لدي فكيفَ يُمكنني ألا اختارها؟ حتى وإن كنتُ قررتُ أن تكون "سمراويت" عهدي الأخير بحجي جَابر..
بَدأت مرسى فاطِمة في أسمرا بدايةً جيدةً جدًا ومشوقة تَابعنا رحلة بطل الرواية -ازعجني ألا يُذكر اسمه- من أسمرا إلى ساوا -إلى هنا حلوين- ساوا مُعسكر عن ألف قصة وقصة بطلنا كان محظوظًا اذ اُعفي من كثير من المشقة في بيتِ الرُعب ذاكَ -سنلاحظُ أن بطلنا محظوظ في كُلِ خطواتهِ عدا تلك التي بدأَ بها- لم يعاني كثيرًا وصف المعسكر - قسوة السُلطة بعمقٍ شعرتُ معه أن المعسكر سيحتل الجزء الأكبر من الرواية لكنه سرعان ماغادرها من ساوا إلى حدود السودان هُنا بدأ الكاتب يتعجل في الأحداث بصورة ملحوظة
لم يُعجبني التَعجُل فقد اَفقدني مُتعة عيشِ الحَدَث ثمّ أن بعض الأحداث لم تَكُن منطقيةً تمامًا
اَرى أن الكاتب اَراد أن يأخذنا في رحلة من اسمرا إلى ساوا إلى حدود السودان مرورًا بمخاطر الهاربين منها إلى مخيمات اللاجئين عودةً لأسمرا -عودةً سريعة بشكل غريب كأن البطل راح البقالة ورجع بيتهم- الجولة كانت سريعة جدًا تحتاج لوقفات أطول من الوصف و التفصيل و التروي
قلتُ بدايةً أنها قصة حُب أين الحُب؟ - ضائِع و يُبحَثُ عنه، غائب وحاضر دائمًا، مثل الوطن، مثل إرتريا، الوطن الجميل، الوطن الضائع
النهاية غير متوقعة لكن لم تقنعني ابدًا -ابدًا- لكن وجدتها أفضل كثيرًا من سمراويت ولا اعلم هي حقًا أفضل أم هي الظروف التي قرأتها بها؟
في العموم لا يمكنني أن أقيمها بدقة فقد كانت قراءتها تجربة فريدة حتى لو لم ترضني تفاصيلها تمامًا.
أن تتخذ قراراً ما , عليك أن تتحلى بالشجاعة الكافية لكي تكون قادراً على تحمل نتائج هذا القرار برضا دون أي تذمر .. عندما اتخذت قراري بقراءة " مرسى فاطمة " لم أكن أتوقع كل هذا الكم من الوجع والصدمات والآلام التي تقاذفت ف وجهي ، أنا التي أقبع منذ فترة وإلى الآن في حالة من الاكتئاب يبدو أن لا نهاية لها .. أن أواجه ذلك وأنا بحالتي هذه , جعل تأثير الرواية بداخلي مضاعفاً ، ولن أكون مغالية في قولي إذا اعترفت أنني شعرت ب��لبي ودقاته المرتفعة مع توالي الأحداث خاصة في النهاية وكأنني أبحث عن سلمى مع محبوبها ، وأدور برفقته في نفس الدائرة المميتة دون أن نصل إلى شيء .. " مرسى فاطمة " الدائرة أو كما قال الكاتب " هنا في مرسى فاطمة .. حيث تبدأ كل المسارات وإليه تنتهي " .. هل كان البطل يبحث عن محبوبته أم عن وطنه ؟ هل فشله في العثور على محبوبته في أي بقعة خارج وطنه دلالة على أن الوطن واحد ولا بديل عنه في أي مكان آخر ؟ ربما علينا البحث عن ما فقدناه في مكان الفقد بدلاً من تجرع عذابات لا داع لها في أماكن ليست لها صلة سوى أن تزيد الوجع أضعاف .. متى تعرف الكاتب الذكي ؟ عندما يجمع بين التاريخ والأدب والمشاعر في قالب واحد دون تجزئة ، تشعر وكأن كل ذلك مقادير مختلفة لوجبة واحدة ممتعة المذاق ! متى تعرف الكاتب الذكي ؟ عندما يحول فكرة قد تكون عادية في نظر البعض إلى محتوى أدبي متميز ، الكاتب تمكن من الاعتماد على مهاراته الأدبية واللغوية حتى يخرج لنا هذا الوصف الإنساني الرائع لدرجة تجعلك تشعر وكأنك في قلب الأحداث ، فلا كذب إذا اعترفت بوجود غلالة من الدموع ليس في عيني فقط بل وفي قلبي وروحي ! نعم تلك حقيقة دون أي مبالغة بل أهون من واقعها أيضاً ! نصيحة أخيرة ، لا داعي لقراءة هذا العمل في أي حالة نفسية سيئة ، لا مجال للمزيد من الأوجاع ...
بالإضافة إلى جمالِ اللغةِ و إنسيابِ الكلماتِ و عذوبتها، يُبّجّلُ حجي جابر المرأةَ و يُقدّسها جسداً وروحاً .. في هذهِ الرواية يجعلُ المرأةَ ، الحبيبة ، الأم، صِنواً للوطنِ ووجهاً آخر له.. ................ "عندَ وجهها تتزاحمُ حكاياتُ الحُسنِ، وقد تخلّتْ عن نهاياتها الحزينة"
"لا تنسَ يا صديقي أنّ أعظمَ العشقِ لا يأتي مكتملاً، فيظلُّ الإكتمالُ حلماً معلّقاً بسقفِ أمانينا.. الإمتلاءُ فعلٌ لا يليق بالعاشقين "
" من جديدٍ عدتُ إلى ملامحِها، إلى خطوطِ الزمنِ على وجهها وكفيها، الى جبينها المجللِّ بالطُهرِ، الى صوتِها القادمُ من قاعِ الحكمة، عدتُ إلى كلِّ ذلك فتبدّى لي بهاءُ الحزنِ النبيلِ حين يتمثّلُ إمرأة"
" أغمضتُ عينيّ بأسى، وقد أدركتُ كيف تتقلّصُ الخياراتُ في لحظاتِ اليأس، لتُصبحَ خياراً واحداً غارقاً في المرارِ لا نملكُ سواه"
"لا أعرفُ لماذا كلّنا نريدُ عشقاً عظيماً يفوقُ طاقتنا ، ولانقنعُ بحبٍ عاديٍ حتى لو كان كافياً؟ ألا توجدُ طريقة أخرى لنبدو أكثر فرادة؟"
"لا أدري لماذا أشعرُ أنكِ تُقللّين من عشقي لسلمى؟ لا أدري حتى لماذا هذا التعالي على العشق؟ ألا توجد طريقة أخرى لنبدو أكثر حكمة؟"
"ذاك وجع آخر.. أن ينقضي عمرٌ وأنا أراوح في حزني دون أن اصلَ إلى منتهاه، أن أعبرَ التيه لأصلَ إليه، أن تتعاظمَ مسافاتُ الجرحِ لتبتلعَ خطواتي، وتُخفي آخرَ أثرٍ تركتهُ خلفي"
" لِنعُد في حالِ الإفتراقِ إلى آخرِ نقطةٍ جَمَعتنا"
لقد شعرت بها مسبقًا ، حين أنهيت رواية "سمروايت" للروائي الجميل "حجي جابر" ، بأن هذا الـ"حجي" نجمٌ بدأ ساطعًا و سيكبر حتى يبتلع ما حوله من نجومٍ بنورهِ . "مرسى فاطمة" ، مرسى العشق ، مرسى اللوعة ، مرسى الحزن ، مرسى الفاجعة ، مرسى الإغتراب و مرسى تولد منه الأمنيات . رائعة ، بل مدهشة هذه الرواية ، في تفاصيلها و في صورتها العامة. الحكاية الآسرة التي بدأت بهروب الحبيبة "سلمى" خوفًا من يكشف حبلُها ، فيطرق عاشقها دهاليز الشقاء في رحلةٍ لا تنتهي ، بدايتُها تقابل مباشرةً نهايتها ، ولكنهما لا تتصلان أبدًا . لن أتحدث عن أحداثها لكي لا أفسد عليكم دهشة الحكاية ، ولكن ما أستطيع قوله هنا أنها رائعة أخرى من روائع هذا الشاب الجميل ، بعد ما أتحفنا بروايته "سمراويت" ، والتي تشارك شقيقتها الصغرى معانة الإنسان الإرتري ، آماله و أحلامه في وطن يعرفه جيدًا ، لكن لا يجده فيهِ .. أعطيها ٥ من ٥ بلا تردد ، مع إضافة اسم "حجي جابر" لقائمة كُتابيّ المفضلين .
أحب تلك الروايات التي تنقلني إلى عوالم أخرى فأعيش فيها وليس فوقها .. أحب تلك الروايات التي يصعب وصفها أهى رومانسية أم رواية حرب .. أحب تلك الروايات التي تمنحني المعلومة مع المتعة .. جهد جبار قام به حجي جابر يستحق به أن يحتل مكانة مميزة
ما كل ه��ا الوجع يا حجي جابر ! أفلتَ زمام دمعي ، و هيّجت أحزان قلبي ... ، و بطلكَ من تيهٍ إلى تيه ومن خيبةٍ إلى أخرى ...
أدركت قبلاً .. معنى أن ينام المرء على الفقد كابوساً فيصحو عليه واقعاً ، أن تغادره الأشياء و لا يغادره الشعور بها ، أن يقبض على الذكرى فتُلهب مدامعه أو يخلعها عنه فيخلع معها ملامح حاضره .. ماضيه .. وكل أحلامه الجميلة ، أن تلفحه رياح الوحدة أخيراّ فينكفئ على روحه المنكفئة أصلاّ على وحشة قديمة ..
و أتفهم أيضاً .. أن يتمسك المرء بطيف من مضوا كأول أنفاس الحياة و آخرها ، و لو قُدر له أن يجوب الأرض زحفاً خلفهم - وليس فقط ساوا و الشجراب و غيرها - لما توانى حتى و إن قضى عمره مطارداً سرابهم ، منتظراً دَوِي معجزة قد لا تحدث ..
و لهذا ، جاءت الرواية على مقاس قلبي ، لغةً و عاطفةً ومحتوى ، ورغم أنها القراءة الأولى لأدب حجي جابر إلا أنني شعرت بألفة أدبية و انسجام لغوي كبيرين سيعيداني لرواياته مرة أخرى من غير شك .
الوطن والحبيبة ، وجهان لكل أحلامنا النبيلة هكذا كــــانت سلمى بالنسبـــــة له .. وطن يمــــــــلأ ما مضى ومـــــاهو آت وطن لا يعود يحتـــــاج معه شيئـــا ً، وطن أصبح حاجته وغايته الوحيــــــدة ينتظرهــــــا في مرسى فاطمة ..ليلتقيهـــا كأول الأمـــــاني وآخر المعجزات ولكنه يفجع ذات يوم برحيلهــا المفاجئ ،ومن أجلهــــــا، من أجل سلمى التي يراها واحته ووطنه الذي ينهي صقيع غربتـــــــــه ، يترك كل مايملك خلفـه ليبحث عنهــا آملاً أن يجدهــا ويجد معه روحه التي فقدها بغيابهــــــا وعلى الرغم من أن جميــع محــاولات البحث عنهــــــا بائت بالفشـــــل، لم يستسلم قرر أن يتمسك بما بقي من أمل ليواصــــــــل البحث عنها ، عن وطنه الذي ينتمي لجبينه الأسمرومن أجلها يرتحل من جحيم إلى آخر ويكابد هزيمة تلو أخرى يتجرع وجع لم يحصي خطواته وجع يأخذ منه دون أن يعطيه ، وجع يفنى ويقتــــات على يقينه .. وعند أخر لحظــة يعود بقرار مفاجئ إلى مكان لقائهــــم الأول مؤمناً أنها حتمــــــاً ستعاوده وهي التي سلكتــــــــــه اول مرة ينتظرهـــــا هناك في مرسي فاطمة حيث تبدأ كل المســـــارات وإليه تنتهي ....... بلغة شاعرية عذبة ومليئة بالشجن ينقلنا حجي جابر من لقاء عشاق في مرسى فاطمة إلى أمل لقاء آخر فيه ......
"ثمة أوطان تغادرنا رغماً عنّا وعنها، فلا نملك إلا أن نلهث خلفها. تمنيت لو أخبره أن وطني بهيّ كوطنه غير أن حظنّا العاثر اختار أن يقف بيننا."
رواية "مرسى فاطمة" هي قصة معاناة شاب إرتري قرر الانتقال من قريته الجبلية "قندع" إلى العاصمة "أسمرا" لغرض العمل حين اشتدت وطأة الأمن على العاملين في المعهد الديني في القرية. تشاء الأقدار أن يلتقي صدفة بسلمى ويقع في غرامها، يتخذ العشيقان من مرسى فاطمة مكاناً لمواعيدهم الغرامية. تختفي سلمى فجأة، فيقرر الشاب الالتحاق بالخدمة العسكرية -بالرغم من أنه معفي- بحثناً عنها فتبدأ رحلة الشتات.
تتكون الرواية من خمسة فصول، نسافر خلالها من أسمرا إلى ساوا، ومن ثم إلى دولة الشفتا فالشجراب، ثم نعود مجدداً إلى مرسى فاطمة. تستعرض الرواية مأساة الشعب الارتري وما يتعرض له من ويلات من قبل النظام ومساعديه (دولة الشفتا) و(عصابات الاتجار بالبشر)، كما تتطرق لمعاناة اللاجئين الإرتريين في السودان. رغم قسوة الأحداث إلا أن القارئ لا يمكن أن يغفل عن الجانب العاطفي الرقيق في الرواية المتمثل في قصة الحب بين الشاب وسلمى.
وبالرغم من التجارب القاسية التي مرّ بها الشاب والمواقف المؤلمة التي شهدها، قرر الرجوع للوطن في النهاية، رغم إتاحة الفرصة له للسفر خارج أفريقيا لإنهاء المعاناة والمضي قدماً لتكوين حياة جديدة. "الوطن البديل قد يبقيك حيّاً، لكنه لا يمنحك الحياة." "منك تعلمت كيف أطارد هذا الوطن بحب، كيف أحتفظ بإيماني به رغم كل شيء. تعلمت أن الوطن الحبيبة، والحبيبة الوطن، وجهان لكل أحلامنا النبيلة."
حجي جابر روائي وصحفي إرتري من مواليد عام 1976، مدينة مصوع الساحلية. عمل لسنوات في الصحافة السعودية. يعمل حالياً صحفياً في غرفة الأخبار لإحدى القنوات العربية. أصدر رواية "سمراويت" عام 2012 وحازت جائزة الشارقة للإبداع العربي لنفس العام، ثم أصدر رواية "مرسى فاطمة" عام 2013، ومؤخراً رواية "لعبة المغزل" عام 2015. جميع رواياته صادرة عن المركز الثقافي العربي.
بدت لي مرسى فاطمة كأنها الجزء الثاني من سمراويت فكأن القصة لم تنتهي ومازال حجي جابر يواصل رحلة البحث وهذه المرة لم تكن ككتلك تلك التفاصيل وجه البراءة الأولى بل ظهر وجه آخر ممتلىء بالندوب الشفتا ومعسكرات التجيد الإجبارية الأشبه بمعسكرات اعتقال مثيرة للصدمة ناهيك عن العصابات والشجراب وإلى آخره وكأن حجي جابر فتح الباب لكل شرور العالم التي يتعرض لها الإنسان في هذه الأرض دفعة واحدة و من خلال الرحلة التي قام بها بطل الرواية ليواجه العنف والقسوة والإهمال واللامبالاة العداوة والأعمال اللاأخلافية أمام ذلك كله جاءت قصة الحب بمنتهى العذوبة بمنتهى الإشراقة على الرغم من الحلقة الدائرية التي كانت تفصل سلمى عن بطل الحكاية .. إن كان حجي جابر في سمراويت يبحث عن الجذر والهوية فهو في مرسى فاطمة يحاول أن ينتشل أبطاله من الدوامة التي وقعوا بها والبحث عن الجانب الصادق والحقيقي للعلاقات الإنسانية في ظل الظروف التي تعيش بها أرتيريا
اللغة كانت شاعرية خصبة تخاطب المشاعر عبر بنا الراوي إلى أماكن كثيرة وإن كنت أتمنى لو إن هذه الرحلة استقرت في مكان ما شعرت أن هذه المحطات كثيرة مزدحمة وبعض الأشخاص كانوا بحاجة للمزيد من المساحة خاصة وإن كل شخصية من شخصيات الرواية كان مفتاحا لقضية ما
النهاية قد تبدو غريبة لأنها كانت أشبه بالإستسلام بعد رحلة القتال هذه ربما لأن هذه هي الحقيقة لذلك سلمتُ بخيار الراوي بعد أن استغرقت في التفكير
هنا في مرسى فاطمة.. حيث تبدأ كل المسارات، وإليه تنتهي.. حتما. ستعاود سلمى المرور بمسارها الذي سلكته أول مرة.. رواية مؤلمه وموجعة تحكي قصة شاب ارتيري يبحث عن زوجته وحبيبته سلمى المختفية.. فيلتحق بالخدمة العسكرية وتبدأ رحلة البحث بين معسكرات اللاجئين والهاربين وقطاع الطرق وتجارة الأعضاء... قبل قراءتك لمرسى فاطمة، اقرأ رواية سمراويت للتعرف على أرتيريا وتاريخها.
حسنًا ياحجي جابر خالفتُ وعدي وقرأتُ لك مُجددًا روايتك هذه أفضلُ بكثير من الأولى والتي هي سمراويت لم تكنْ مملؤة كتلك بحديث مُسهب عن إريتريا ولاعن محاولة فاشلة في كسب الزواج هذه المرة أنـت تدور في حلقة مُفرغة من البحث فتبحث عن سلمى وتذهب إلى ساوا ثم تحاول وتكون محاولة فاشلة في الهرب من إريتريا إلى سودان وتقضي وقتًا مع الأمير وأم أواب ثم تعرف بأنك كنت مُخطئًا منذ البداية ولم يكن عليك قطع هذه الرحلة الشائقة أصلاً حجّي جابر خيالك في هذه الرواية عن المعاناة التي كانت تُصادف الإريترين عند الهروب من بلده جعلناكم أشعر بالشفقة تجاه شعب بلاد إرتيريا لكن لماذا إذا كانت الرواية لم تحتوي على الحب ومحاولة فاشلة من أجل الزواج كانت تحوي على ألفاظ بالعامية ؟؟؟
الكتابة الجميلة تستحق اﻹحتفاء بها وبصاحبها،،،أسعد حقيقة باكتشاف موهبة واعدة لمبدع شاب يستحق اﻹشادة به وبعمله،،،سعادة لا تخلو من كدر لطغيان أعمال متدنية المستوى والقيمة،وذيوع أسماء أصحابها عن غير جدارة ولا إستحقاق،،،
فارق شاسع بين من يعرف الكتابة ويريد أن يقول شيئا أى شىء،ومن يجيد الكتابة ولديه بالفعل ما يقوله،ويفعل ذلك حقيقة بأفضل طريقة ممكنة،،،
ينتمى للنوع الأول عدد من الكتاب الشباب"المصريين تحديدا بحسب علمى" ممن لا يمتلكون تجارب حياتية وإنسانية جديرة بالحكى والمشاركة،لكنهم مع ذلك يتدافعون ويتكالبون لكتابة أى شىء،وإنتحال أية موضوعات فقط ليوصفون بأنهم "أدباء ومبدعين الخ"،،،
حجى جابر روائى شاب ينتمى للنوع الثانى،هذه قراءتى اﻷولى له،ويالها من قراءة ممتعة وبداية أكثر من موفقة،،،
الرواية الجميلة تعرف عادة من بدايتها،ولا أبالغ أننى مع الصفحات الخمس اﻷول من هذه المعزوفة الإنسانية العذبة،تيقنت من أننى أمام قلم شاب واعد يستحق التنويه بمفردات عالمه اﻹبداعى،وجهده المبذول والمشكور لبيان ذلك...
عن الغيداء التى تنام على الغيم يدور الحكى،سلمى الحبيبة وأسمرا الوطن،أم العكس هو اﻷصوب؟!، بطلنا مجهول الإسم"أنا وأنت وأى إنسان بمعنى ما"،ورحلة بحث الجسد عن روحه،القلب عن ساكنه،الوليف عن مستقره وسكنه،،،
مابين مرسى فاطمة الشارع الذى شهد ميلاد العاطفة المقدسة التى ربطت بين قلبين،ومن ثم جحيم معسكر ساوا للتدريب،فمخيم الشجراب الناضح بقصص البؤس والمعاناة،مرورا بدولة الشفتا وأناسها من حراس الجحيم،وعودة للمرسى من جديد،،، تدور أحداث هذه الرواية الفاتنة،،،
المحب يفجع بخب�� رحيل الحبيب أو إبعاده قسرا،فيسعى لتتبع خطاه،وتعقب أنفاسه ونبضات قلبه حيثما يراد له أن تكون،،، سلمى أخذت بدافع من تجنيدها إجباريا وإلحاقها بالجموع التى تؤدى الخدمة العسكرية"القولقلوت" التى يعلم الله وحده مدى إستمرارها وكيفية الإنعتاق من إسارها إما بإهدار مستقبل اﻹنسان،أو إزهاق روحه ولا بديل،،،
الحبيب،سلمى،جبريل،إبراهام،زينب،منجوس،كنداى،إلسا،أم أواب،أمير،كارلا شخصيات العمل التى رسم من من خلالها حجى ملامح عالمه،وعبر ببراعة عن واقع بلاده المآساوى،وشقاء أهلها المرتحلين بين حزنين،الموعودين بالشقاء أينما ولوا وجوههم،المنسحقين تحت وطأة فساد الداخل وإستبداده من ناحية، وتغافل العالم"الحر جدا!!!" ،وتخاذل مسؤوليه عن رفع المعاناة عن كواهل شعب لا يمتلك نفطا ولا ثروات"ربما لست متأكدا" ،يسيل لها اللعاب،وتتحرك من أجلها قوافل الديمقراطية ورعاتها من كل حدب وصوب،،،
أجواء العمل قاتمة كئيبة،لا يلطف منها سوى نسائم قصة الحب الماركيزية"ذكرتنى لا إراديا بملحمة عشق فلورنتينو اريثا وفيرمينا داثا ف الحب فى زمن الكوليرا"،غير أن بطلنا هاهنا لم يرتض بديلا ولو مؤقتا لمحبوبته سلمى،التى لم تقترن بسواه كما حدث فى رواية ماركيز،لكنه الإخلاص ذاته،عين المحب التى احتجبت خلف صورة المحبوب فلم تعد ترى سواه،عين الوهج المقدس الذى لا ينطفىء،والظمأ الخالد الذى لا يرتوى إلا بلقيا الحبيب والتوحد به ومعه وفيه،،،
إيقاع العمل جاء سريعا متواكبا مع التحولات الحادثة بمسار رحلة البطل لإقتفاء أثر المحبوبة،،،
الحبكة تصاعد نسق توترها الدرامى بنعومة فبعد بداية محلقة ف سماوات الحب واللهفة الواسمة لمدارج العشق والعشاق،،،تتابعت الحوادث وتوارى ألق العاطفة وإن لم يخب تماما وراء سطوة وقسوة اليومى والمعاش،،،
حيرة البطل اﻷبدية،وصخرة سيزيف التى حملها طائعا مختارا فى سبيل اللقاء الموعود وآوان لم الشمل أجاد حجى التعبير عنها،،،،
لغة العمل شعرية بام��ياز،عذبة سلسة،بريئة من شبهات التكلف والإستعراض اللغوى المبتذل،،، كتب حجى بحب عن بلده وأبطاله،فتبدى ف كتابته صدق العاطفة،وأمانة التعبير عن دواخل شخصياته ودقائق أحوالهم،،،
ربما ألزم موضوع الرواية وإيقاعها،ألا يتوسع الكاتب أو يستطرد فى بيان خلفيات بعض من شخصياته،أو اﻹيغال فى عوالمها الخاصة،إكتفاءا بدورها فى تطوير اﻷحداث ودفعها إلى ذروتها المنشودة،لا بأس فذلك مم يختلف فيه ولا ضرر من ذلك،،،
أعود مجددا فأؤكد على أن اللغط والجدل الذى يثور ويفور بين الحين والحين حول أعمال لا تحمل كمالا فنيا أو قيمة أدبية من أى نوع،جدير بأن يوجه تلقاء أعمال كتاب و��عدين كحجى جابر وحمور زيادة وغيرهم من مبدعين شباب عرب ومصريين،،،
نعم قد لا يكون هؤلاء من أرباب النجاح التجارى-الهزيل حقيقة مهما تصاعد بالنظر لأرقام التوزيع وعدد القراء فى عالمنا العربى-،وقد لا يكونون من كتاب الرواية الرائجة التى لها جمهورها ولا شك،،،
لكنهم فى اﻷقل ينحازون لقيم اﻹتقان والجمال واﻹنشغال بقضايا اﻹنسان وأزماته الوجودية الخالدة،فحق علينا أن نلفت النظر ونوجه اﻹنتباه ﻷعمال هؤلاء ونظرائهم علنا نقدر أن نحدث توازنا ولو بقدر ما بين الرائج قليل القيمة والنفع،والقيم الجميل مهدور الحق والمكانة،،،
عزيزى حجي أحسنت،ولك ولكل من يكتبون فيبدعون ويمتعون،منى ومن محبى اﻷدب الإنسانى الراقى ألف تحية وسلام،،،
تحكي الرواية عن رحلة البحث عن سلمى التي اختفت فجأة لتبدأ رحلة الشقاء في المعسكرات ومقاطعات تجار البشر، ورعب تجاوز الحدود، وبؤس القرى المنسية.. مرسى فاطمة.. ساوا الشفتا الشجراب مرسى فاطمة ..مرة أخرى سلمى التي "تميل إلى الطول، وسمرتها صافية، وشعرها أسود كثيف، وعلى تخوم شفتها العليا شامة خفيفة، ولها لثغة ساحرة في الراء.." تختفي وفي بطنها حياة! إلى المعسكر قيل ذهبت، وإلى السودان قيل أيضاً.. القلوب المفجوعة تتخبط في الجهات، والجمال المجسد في سلمى يغرق في سراب المكان وبؤسه، ولم يمل صاحب سلمى من البحث غير المجدي، ويصر أن يسير في الطرق المهلكة علّه أن يجد ولا يجد، ليقرر -بعد اليأس وترك الوطن والذهاب إلى البلاد المجاورة، وبعد أن يوافق على الذهاب إلى المنفى- العودة إلى نقطة البدء، إلى المكان الأول (مرسى فاطمة) ليكتشف هناك أن سلمى كانت تتبع الخطوات..خطوات التيه والاغتراب في مضمار الشقاء،ثم يكون الانتظار على رصيف الدائرة علّ الوطن يعود، وعل سلمى تعود، وعلّ الأمل يعود، " بدت حياتي كدائرة كبيرة، لا تتيح الالتقاء بمن أريد، طالما أننا نتبع الاتجاه ذاته، والقدر نفسه من الشوق والاحتياج، بدا كل شيء خلفي وأنا قضيت العمر كله في انتظار ما سيأتي" قد يكون اللقاء عندما يغادر الشعاع الأخير من الأمل، ويبدأ اليأس زحفه، وتزرع أشجار المرخ لمقاومة الرمل والتصحر! ... لغة الرواية سهلة سلسلة، تميل إلى الشاعرية في مواطن الشوق والفقد، ويطالها التكلف والتكرار أحياناً. ومن حيث البناء، فقد ��ردت الفصول بشكل مترابط، لولا سرعة إيقاع الأحداث أحياناً، إلا أن الترهل كان واضحاً وبيناً في نهاية الرواية، بالنسبة لشخوص في الرواية فقد أُعطى لكل شخصية حقها وما تستحق إلا أن شخصية (مازن) في معسكر (ساوا) بدت لي مقحمة وغير مبررة!جح
. "الوطن كذبة بيضاء..يروج لها البعض دون شعور بالذنب ، ويتلقفها آخرون دون شعور بالخديعة" .
أريتريا لم تكن غريبة على القارئ ليبي..أريتريا تلك الدولة الحديثة في الحُكم وقديمة في عبق تاريخها وسحر ماضيها وروعة مقاومة أبنائها، دائمًا ترتبط مع ليبيا في الجهاد ضد نفس المُستعمر إيطاليا..أغلب الناس كانت تظن أن إيطاليا احتلت ليبيا فقط وجعلت من ليبيا مُستعمرة كبرى واعتبرتها "الشاطئ الرابع لدولة إيطاليا الفاشية، لكن إيطاليا الملكية احتلت واستعمرت الحبشة وإريتريا قبل ليبيا بسنوات طويلة..! لكن تم طرد المُستعمر كان في نفس السنة.. ثانيًا مع نُدْرة الكتابة عند الكُتاب الإريترين إلا أن القارئ ليبي تعرف على الأدب الإريتري ومعاناة الشعب بفضل الكاتب أبو بكر حامد كهال قدم أبوبكر ثلاثة روايات جميلة .."رائحة السلاح" رواية صغيرة الحجم كان بطل رواية هو المجاهد ومُفجر الثورة التحرير حامد العواتي وكانت الرواية إسقاط مباشر على تجربة الكاتب في معارك التحريرضد الإحتلال الأثيوبي بما أنه كان عضواً في "جبهة تحرير إريتريا" وقدم رواية "بركنتيا:أرض المرأة الحكيمة" واخيراً تيتانيكات أفريقية .حجي جابر يُكمل قصة معاناة الشعب، بعد إعلان الإستقلال وبعد معاناة الشعب لثلاثين سنة من ثورة وحروب أهلية ، سيطرت الحكومة المؤقتة على الحكم منذ سنة 93 لتصبح إريتريا دولة دكتاتورية. قصة عشق في مرسي فاطمة بين البطل مجهول الاسم وسلمى، تنتقل القصة إلى مطاردة الحبيب لحبيبته إلي ساوا حيث "الخدمة الوطنية لاتنتهي"، في إريتريا تُفرض الخدمة العسكرية إجبارية قاسية بلا مدة محددة..قصة حُب وقصة معاناة في الخدمة العسكرية الاجبارية لقصة هجرة لسودان ، قصة هروب من أرض اختفت فيها كُل معاني الحرية والأمل، حجي يحكي قصة البحث عن الوطن في قلبي سلمى بين إريتريا والسودان وبعض الكوابيس رحلة السيناء وإسرائيل ليستلم كهال اخوه ليسرد قصة مالوك وهجرته لطرابلس ثم لشواطئ القارة العجوز..
رواية جميلة في معاناتها، تعتبر مُهمة تعريف تاريخ بلدك لشعوب اخرى من أصعب المهمات…يتحدث الكثير عن جمال أسمرا، روما الصغرى، أسمرا التى يصفها عشاقها بالحسناء التي تنام على الغيم، شارع كمشتاتو ، شارع الحرية ، تراص الكلمات وعبق التأريخ مع قصة حُب أسطورية، رواية ممتازة مقارنة بسخافة أختها سمروايت
- أُحِب الرواياتِ التي أخافُ على أبطـالِها من الخيبات ، وفي الواقع " مرسى فاطِمة " طوال قراءتي إياه كُنت واضعةً قلبي بينَ يديَّ ! أولاً ؛ أنا كُنت جاهلةً بـ " إرتريا " هذه .. لم أكُن أعرف بوجودها في هذا العالمِ أصلاً ، و الشكر كل الشكر لـ حجي جابر الذي زادني ثقافةً ! جميلٌ هذا الكتاب و آسرٌ بكل مايحويه .. رُغمَ كونهِ مُثخنٌ بالأوجـاعِ و الخيبات ، كُنت أعيشُ قصة فقدِ سلمى مع " حجي " ! كُنت أنتظِرها ، و أبحثُ عنهـا في صفحـات الكتاب مع جابر .. وقعتُ في حُب عينيها الذي كان يتحدثُ عنهما طويلاً و أحسستُ بالأمـان الذي تحملهُ في قلبها حتى أصبحت وطناً يسعى إليهِ " حجي جابر " لا أنكر أبداً ، أني عشتُ جميعَ الأحداث .. آلام مُعسكراتِ ساوا ، و من ثم الشجراب و شوقهِ لأسمرا .. كنت أعيش معه في كل تفاصيل أيامه ، ثمَّ وقعتُ في حُبِ أُم أوَّاب و قهوتها و ما كانوا يُسمونه بـ ( الجَبَنة ) أردتُ أن أتحسس لِقـاء سلمى مع راوي القصة الذي لم يُخبرنا حجي بإسمه حتى ! شغفهُ و شوقه للقاء سلمـى أشعل فيَّ الحُب .. وصَنفته في العشق الثاني بعد " مجنون ليلى " قيس ! كان يقول عن سلمى / " سلمى بالنسبةِ لي هيَ أيضاً حُلم بحجمِ الوطن ، بين يديها أشعر بالأمان ، ولجبينها الأسمر أنتمي . سلمى لغتي و حدودي و خارطة وعيي و احتياجاتي . أولا يستحِقُ هذا الوطن أن ألهثَ خلفهُ حتى لو استقرّ هنا ، في ساوا؟ " أنصحُ بالقراءة وَ جداً ..
منك تعلمت كيف أطارد هذا الوطن بحب ، كيف أحتفظ بإيماني به رغم كل شيء. تعلمت أن الوطن الحبيبة ، والحبيبة الوطن ، وجهان لكل أحلامنا النبيلة ، هكذا تحدث المناضل إلى العاشق ، دائرة لا تتوقف من البحث عن الأمل ، الغاية من الحياة ليست مجرد البقاء بل الحب ، حب الوطن ، الحبيبة ، تقاطعت كل القضايا لتشكل قضية واحدة هي ذلك القلب اللاهث خلف محبوبته، داخل الوطن ال��ختطف باسم الوطنية وخلف الحدود حيث المنافي والألم والاغتراب والموت تشرداً وحيث الفقد المرير، مرسى فاطمة نقطة العودة بعد الافتراق فهناك كانت البداية ولابد من العودة مهما طال الغياب ومهما اشتد الألم ، الرواية مميزة بلغة غذبة سلسة ، سلمى إريتريا الجميلة الجريحة وعشاقها و جلادوها وحيث كل جلاد ضحية ،، الرواية عمل مميز آخر يستكمل تلك الرحلة التي أبدعها حجي جابر في سمراويت وإن كانت هنا أدعى للبكاء،،
قلبي يضيق بالبشر حولي ويتسع لكل اصحابي على الورق ، ربما لأن الورق يجعلهم يعرفون اسرع الطرق لقلبي ، وهي أن تكون صادقا ..ولا شيء سواه ! الصدق يؤلم ، مثل الخيبه ، مثل أن تجلس لتقرأ كل خيباتك مجتمعه هنا في مرسى فاطمه ،باختلاف وحيد ، انك لا تملك المرسى ولهذا فإن احلامك تضيع منك لكنها لا تعود ، بل انت تتعود أن تودعها .. لا احب كثيرا أن أتكلم عن روايات كهذه ، لان لكل منا قصته معها ، القصه التي يصعب الكلام عنها ، اكتفي بالقول إن قسوة الحياه تكمن في امتلاءها بالأمل رغم كل شيء.
يقول فرناندو بيسوا : أحمل هزيمتي مثل راية نصر. ويقول حجي جابر على لسان الراوي في رواية مرسى فاطمة : أن تكون رجلاً مهزوماً يعني ألا تنتظر شيئاً. ألهذا قالت الإيطالية كارلا في الرواية إنها وجدت حتى الحزن مختلفاً بين الشمال والجنوب؟. حزن الجنوب قاتم أكثر. الجنوب أو الشرق , لا فرق , فكلنا في الهم شرق. رواية مؤلمة, حزينة, موغلة في الهمّ والفقد والهزائم, للشقاء ألوان مختلفة ولكنه في الجوهر واحد. رواية بديعة ورائعة وتستحق القراءة.
رحلة بحثي عن سلمى خلال هذه الرواية جعلتني أقابل الكثيرين شخصيات مختلفة، رحلة طويلة يتخللها التضحية، التوتر، مشاعر و ظروف كثيرة متداخلة، اجتياز عقبات كثيرة للوصول للهدف، التضحية كانت سامية في هذه الرواية، و أهمها التعرف على إرتيريا و المعاناة فيها،
شكراً حجي جابر على هذه الرواية، النهاية جعلت تقييمي للرواية مختلف❤️.
أجمل مافيها ( الصفحتيْن الأولى ، و الصفحتيْن الأخيرة ) أتقن جابر البداية و النهاية ، و نضج أسلوبه في سرد الحكاية ، لكني مللت من كثرة الأحداث التي توالت تباعاً - وهي تتشابه بطريقة ما - و الذي انقذني في آخر المطاف - الدائة - النهاية المتقنة . تحية لحجي جابر . نص متعوب عليه ، و بالجداوي ( ملعوب ) .
مرحباً بكم مع كاتبي المفضل الجديد اعرف انني قد تأخرت عن قراءة مخطوطات هذا الانسان الحساس، لكنني لن اقصر في قرائتهم في السنة القادمة كل عام وانتم بالف خير
من اجمل ما قرأت.. كل جملة في هذه الرواية تحفر عميقا في وجدان القارىء.. كلمات حجي جابر موسيقى تأخذك بعيدا الى عالم آخر.. تجد الجمال في قمة المعاناة.. تتعرف على ارتيريا ومعاناة المهاجرين في رحلة البحث عن الوطن المتجسد في سلمى..
لا أعلم مالذي يريد إيصاله ح��ي جابر بنهاية الرواية؟ العذاب الذي شعرت به أنا كان أعظم من عذابه وسلمى معًا!!
هذه الرواية تبعث الأمل وتكسره, تُرسل الإيمان وتطفئه. اتبعنا البحث عن سلمي في مرسى ��اط��ة.. ساوا الشفتا الشجراب مرسى فاطمة ..مرة أخرى. وفي كل منطقة نقابل شخصية تحمل خلفية مختلفة وتجربة صعبة هي الأخرى, من دقة التفاصيل حتى خشيت أن تكون هذه الرواية حقيقية بأبطالها.
حين يكون مسار الحياة دائري و نكون في رحلة شقاء للبحث عن الحب بينما هو خلفنا في رحلة شقاء يبحث عنا . أبدع حجي جابر بهذا الزخم من الثقافات المختلفة لأبناء الوطن الواحد حين يجبرهم على الشتات .